لقد بدأ خطيب الجمعة في أحد المساجد بقنبلة فلسفية نووية توزاي قنبلة "هيروشيما ونجازاكي", حيث تحدث عن الصيرورة الثقافية, وانتقل للحديث في أساسيات العقيدة الطحوية, مبيناً آراء العلماء بين مختلف ومؤيد لمعنى استواء الله على العرش, والتفاصيل اللغوية الدقيقة لمعنى الاستواء, ثم عاد للصيرورة الثقافية من جديد. مر من الوقت 20 دقيقة ولا زلنا في الصيرورة الثقافية, لم أرفع رأسي عن الإمام باحثاً عن بعض المفردات أضعها في جيب قميصى الأمامي, أتسلح بها وإن قَلَّتْ. في أثناء متابعتي للأمام زاغ بصري على رجل أربعيني العمر, عريض الوجه, غليظ اليدين, يضع أصبعه في "أنفه", باحثاً عن معنى الصيرورة الثقافية التي قصدها الإمام, أثارني الرجل, مكثت دقيقتين أحاول أن أتقمص شخيصته في نفسي لكي أري هل هو مستمتع في الخطبة أم أنه لم يفهم شيئاً. تنقل الإمام في هذه اللحظات بين أبو داوود الذمائي -حسب ذاكرتي- ولم أذكر من هو, وأم داوود, وخالته, وعمته, وجاره, وجارته, وأبو الأسود الدؤلي, والأصفهاني, والمعتزلة, والمرتزقة, وعلم اللاهوت, والباركخبا, ثم زاغ بصري مرة أخرى نحو صاحبنا المتعمق في الصيرورة الثقافية, فرأيته وقد انتقل إلى رجليه بحثاً في أظفاره عن أي زياداتٍ يود التخلص منها, فقلت ضاحكاً لربما أنه في الرف السفلي للمكتبة العربية الكبرى للبحث في الصيرورة الثقافية متنقلاً من أنفه لأخمص قدميه. بعد خمسين دقيقة وأضف عشرين أخرى للصلاة, إنتهى الخطيب الدكتور المفكر من خطبة العقيدة الطحوية والصيرورة الثقافية... لم أعْلَمْ هل عَلِمَ الرَّجُل صَاحِبَ "الأنف والأرجل" الأصول الصحيحة لمعنى الإستواء, والتعقيدات الصريحة في ثقافة الفلاسفة والعظماء أم لا؟. خطبائنا الأعزاء .... متى نخاطب الناس بلغة سهلة يفهمونها؟ متى تكون الخطبة قصيرة ومفيدة؟ تخاطب الحياة العملية والأخلاق والمعاملات التي تمس واقع الناس؟