ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بسيل جارف من المنشورات والتغريدات التي تهاجم فيلم "أميرة" الذي يطرح فكرة "النطف المهربة" للأسرى من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، "كونه يعد مسيئا لقضية الأسرى ونضالاتهم ويخدم رواية الاحتلال واستهدافه لهذه الشريحة من الشعب الفلسطيني".
وأطلق ناشطون هاشتاغ يدعو إلى وقف بث الفيلم تحت وسم "#اسحبوا_فلم_أميرة".
ويتناول الفيلم قصة فتاة فلسطينية جاءت إلى الدنيا عن طريق التلقيح الصناعي من نطفة مهربة لوالدها السجين لدى "إسرائيل" وهو ما يجعلها تفخر دوما باعتبارها ابنة مناضل ضد الاحتلال، لكن عند تطلع الأب لإنجاب طفل آخر بالطريقة ذاتها يكتشف الأطباء أنه عقيم، لتبدأ مأساة الفتاة في البحث عن حقيقة وجودها، لتكشف أن أحد السجانين الإسرائيليين عمد إلى تغيير النطفة ووضع نطفة منه، زرعت في رحم الأم.
وفي منشور لها على صفحته على الفيسبوك قالت ليديا ريماوي زوجة الأسير عبد الكريم الريماوي إنها فخورة بأنها كانت ثاني زوجة أسير تنجب عن طريق النطف المهربة، حيث وضعت مولودا ذكرا اسمته "مجد". وتضيف "كررتها ٣ مرات ولم تنجح، وعندي استعداد أن أعيدها لو سمح الأمر. فخورة بالتحدي وكسر الاحتلال والرعب الذي دخل لسجن نفحة الصحراوي عند زيارتي لزوجي وأنا أحمل مجد ابن ٣ اسابيع، وقتها شفت الخوف والرعب والكسر بعيونهم، تجمع عدد كبير من الجنود حولي وجاء الصليب الأحمر الإسرائيلي ليفحصوا فعلاً هل هذا طفل ابن للأسير، وجندي من بين الجنود يقول بصوت عال أنا أعرف عبد الكريم من ١٢ عاما من وين البيبي؟.. لقد حرمنا من الزيارة وبقينا في ساحة السجن. هذا المشهد أعطاني قوة وعزة وشموخ، فخورة بصنع الأمل لزوجي وتحقيق الحلم".
وتابعت "لن يكسرنا فيلم (أميرة) وسيبقى المجد مرفوع الرأس عالياً، ولا أحد على وجه الأرض يستطيع أن يشكك به".
بدوره، الناقد السينمائي يوسف الشايب، قال إنه شاهد الفيلم، ووصف ما جاء من ادعاءات فيه بأنها "تشكيك وقح" في أطفال الحرية. وتابع في منشور له على صفحته على الفيسبوك "أنا من أكثر المدافعين عن الحريات عامة، وحريّة المبدع خاصة، لكن فيلم "أميرة"، الذي شاهدته بالطبع لا يندرج في هذا الإطار"، وأشار إلى أن مصر "قامت ولم تقعد" بسبب مشاهد عن الفقر المدقع في فيلم "ريش" وانسحب كبار فنانيها باعتباره مسيئاً لمصر، بينما يشارك فنانونا "يقصد فنانين فلسطينيين" في الإنتاج والتمثيل والمهن المرافقة في "أميرة".
واعرب عن استغربه من تبرير البعض "إظهارنا بصورة العنصريين الكارهين لليهود، وهذا ليس نحن، علاوة على التشكيك "الوقح" في "أطفال الحرية" من أبناء الأسرى بطريقة "تهريب النطف"، والذريعة "الخيال".
وأضاف "من يشاهد الفيلم أقل ما يمكن فعله أن يشتم.. لا أدري إن كانت الشتيمة تندرج في إطار الحريّات؟.. لكن ما حدث في الفيلم أكبر من شتيمة، ما هكذا يكون الخيال الإبداعي.
وتساءل الشايب فيما إذا كان المخرج محمد دياب يجرؤ على الإبداع بخياله في قضية تمس المجتمع المصري، أم لأن "حيطنا واطي"، أو هكذا ربما يرى وهو وكل من ساهم في خروج الفيلم للعلن وتسويقه بهذا الشكل من منتجين عرب وأجانب.
وختم بتأكديه مجددا على أن الفيلم "مسيء" جداً ليس للأسرى وزوجاتهم وعائلاتهم و"أطفال الحرية" فقط، بل لعموم المجتمع الفلسطيني.
من جهته، هاجم الأسير المحرر البروفيسور عماد البرغوثي الفيلم، وقال "هذا تطاول، تشويه، خيانة، وقاحة وقلة أدب. لعنة الله على هذا "الفن" الهابط الحقير".
وأضاف "هذا تشويه لأيقونة الثورة الفلسطينية، تشويه للملحمة الفلسطينية، سفراء الحرية، تطاول وخيانة على الأسرى الشرفاء وزوجاتهم النبيلات الكريمات العفيفات".
وتابع "عندما يشوهني الخائن ابن جلدتي ( فلسطيني، مصري، أردني) بدعم من عدوي المحتل المجرم وأذنابه المطبعين السفلة، ولا أرى من لا يأخذ لي حقي وأنا في زنازين الاحتلال مقيد الأيادي".
وتساءل عن دور السلطة الفلسطينية والسفارات من هذا التشويه لأنبل قضية".
وعلى الصعيد الرسمي، قال رئيس نادي الأسير قدورة فارس، إن فيلم "أميرة" الذي يطرح مسألة الإنجاب عبر النطف المحررة لأسرى فلسطينيين من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي؛ يخدم الاحتلال الإسرائيلي وروايته ضد الأسرى.
وأدان فارس في بيان له "استغلال قضية الأسرى التي تعتبر إنجازا فلسطينيا لم يحدث في التاريخ إلا في فلسطين، ومن لجأ لهذه الحبكة السينمائية باستغلال قضية وطنية حساسة والتعامل معها بطريقة مرضية، لغايات تسويقية.
وأردف فارس: العمل لا علاقة له بالفن، وفيه استغلال لقضية عالية الرمزية بطريقة وضيعة، وسيكون لنا موقفنا بالخصوص، وخاطبنا وزارة الثقافة والخارجية ورئاسة الوزراء وهيئة شؤون الأسرى والهيئة العليا للأسرى وستكون لنا مجموعة من الخطوات ضد هذا الفيلم.
وفي أكتوبر 2019، أصدر رئيس الهيئة الإسلامية العليا، خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة سعيد صبري، فتوى شرعية بخصوص "النطف المهربة" من الأسرى داخل السجون الإسرائيلية.
وجاء في الفتوى الصادرة عن صبري، أن "إجراء عملية التلقيح باستخدام النطف المهربة من الأسرى الفلسطينيين في السجون، وخاصة الذين يخشون عدم القدرة على الإنجاب بعد خروجهم من أسرهم، حيث إن أحكامهم طويلة تصل إلى عشرات السنين، وعليه فإنه لا مانع شرعا من إجراء عملية التلقيح للزوجة، سواء كانت الزوجة مدخولا بها أم لا".
واشترط الشيخ عكرمة توافر شروط مجتمعة في عملية التلقيح، وهي: وثيقة عقد الزواج بين الزوجين، موافقة الزوجة على إجراء عملية التلقيح، أن يكون الحيوان المنوي من الزوج، وأن تكون البويضة الأنثوية من زوجته فقط، وأن يكون المركز الطبي المسؤول عن إجراء هذه العملية مركزا معروفا ومرخصا لإجراء هذا النوع من العمليات.
وأن يحضر اثنان أحدهما من طرف الزوج والآخر من طرف الزوجة كشاهدين، وأن يحضر أحد المحامين الثقات للتوثيق، وأن يعلن كل ذلك عبر وسائل الإعلام، أو أي وسيلة أخرى دفعا للشبهات ولبراءة الذمة.
ويُطلق الفلسطينيون على مواليد النطف المهربة “سفراء الحرية”. وعادة ما يخوض هذه التجربة الأسرى المحكومون لمدة طويلة أو يتوقعون أحكاما عالية.
وكان مهند الطفل الأول الذي وضعته زوجة الأسير عمار الزبن من الضفة الغربية في 2012 عن طريق تهريب النطف المنوية من داخل السجن.
ويبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين نحو 4650 بينهم 54 أسيرا محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة، وفق نادي الأسير.