تحدث معهد بحثي إسرائيلي عن تحديات الواقع السياسي والأمني المتعددة، والاستراتيجية الإسرائيلية الواجبة تجاه هذه التحديات، داعيا إلى بناء قوة خاصة تواكب حجم التهديد المحدق بـ"إسرائيل"، لا سيما القادم من إيران.
وأوضح "معهد السياسة والاستراتيجية" (IPS) في دراسة أعدها فريق المعهد برئاسة جنرال احتياط عاموس جلعاد، أن "الواقع الاستراتيجي يتغير، ويستوجب مبادرة سياسية أمنية تعطي جوابا للتهديدات والفرص الكامنة فيه، مشيرا إلى أن الاستراتيجية الإيرانية الساعية بقوة لتعزيز نفوذها الإقليمي إلى جانب تطوير قدراتها التكنولوجية والنووية، تنجح في وضع تحد أمني متعدد الأبعاد وبعيد المدى لإسرائيل".
استراتيجية التسويف
ورأت الدراسة أن "إسرائيل مطالبة بوضع استراتيجية شاملة لصد إيران في المنطقة، تمنعها من الوصول إلى قدرة نووية، في ظل تعزيز التعاون الاستراتيجي مع واشنطن ودول المنطقة"، موضحة أن "جولة المحادثات الحالية في فيينا، تقترب من مرحلة الحسم، رغم أن الفجوات الجوهرية بين الطرفين بقيت على حالها".
وأكدت الدراسة العبرية، أن "الردع الأمريكي في الشرق الأوسط ضعف، وغياب الرد حتى الآن ينبع من رغبة الولايات المتحدة في التقدم في محادثات النووي والامتناع عن الانجرار لمعركة مباشرة مع طهران، وهذا يشجع على المزيد من أعمال القوة ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وكل ذلك، يأتي في ظل تصاعد المعركة في اليمن وزيادة عمليات جماعة الحوثي ضد الإمارات والسعودية".
واشنطن قيد الاختبار
وأشارت إلى أن "غياب الرد العسكري من جانب الولايات المتحدة وحلفائها على استخدام إيران للقوة في سوريا والعراق واليمن، يؤدي بالإمارات والسعودية إلى تعزيز علاقاتها الثنائية مع طهران، وخوض حوار مباشر معها"، مؤكدة أن "السياسة الأمريكية تجبر "المعسكر السني" على إجراء تعديلات في سياسته الإقليمية حول إيران، في ضوء التقدير بأن السند الأمريكي ليس مصداقا".
وبالتوازي مع ما سبق، فإنه "يتركز الاهتمام العالمي على الأزمة الناشئة مع روسيا بسبب أوكرانيا، وهذا التوتر المتصاعد يضع في الاختبار تصميم وقدرة الولايات المتحدة على منع استخدام روسيا للقوة، وقد نشرت حتى الآن أكثر من 100 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا، لكن من شأن الفشل الأمريكي في هذه الساحة، أن تكون له مضاعفات تجاه الصين وإيران والشرق الأوسط".
وفي السياق المحلي، "تشكل المسألة الفلسطينية عنصرا من شأنه أن يقوض الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة، فغياب الاستراتيجية الشاملة، والرغبة الإسرائيلية في تقليص النزاع وإدارته دون أفق سياسي، يخلقان إحساسا باستقرار وهمي في ضوء أعمال "جز العشب العسكرية (ضد المقاومة الفلسطينية)".
ونوهت الدراسة، إلى أن "هشاشة السلطة، والخطاب المتعاظم عن اليوم التالي لمحمود عباس (رئيس السلطة)، مع تواصل جهد حركة حماس لإشعال الضفة الغربية والقدس والداخل، كل ذلك من شأنه أن يقلل من الاهتمام والتركيز في المسألة الإيرانية".
توصيات
وخلصت الدراسة الإسرائيلية إلى عدة توصيات، أهمها أنه في حال تم التوقيع على اتفاق بين طهران والقوى العظمى فإن على تل أبيب أن "تبلور سياسة متداخلة في إطارها تعمل على توثيق الحلف الاستراتيجي مع واشنطن لتمكين محور التعاون والتنسيق العسكري-الاستخباري، إلى جانب بناء قوة خاصة تسمح لها بعملية مستقلة في حالة تجاوزت إيران الخطوط الحمر في النووي".
وفي ظل إمكانية أن "يؤدي تجديد الاتفاق النووي إلى سباق تسلح تقليدي لعموم دول المنطقة بوسائل قتالية غربية، روسية وصينية متطورة، فإن على إسرائيل أن تبلور سياسة إقليمية متوازنة، في اطارها تعمق التعاون الأمني العسكري مع دول الخليج ومصر والأردن، لغرض صد النفوذ الإيراني، إلى جانب الحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي".
وأوصت الدراسة بأهمية أن "تستغل إسرائيل الفرص في الدينامية الإقليمية كي تعزز أهدافها الاستراتيجية، وعلى رأسها دحر إيران من سوريا ولبنان، تقليص التهديد نحو إسرائيل، ومنع طهران من الوصول لقدرة حافة نووية، وهذا يتطلب توسيع المعركة ما بين المعارك في سوريا، والاستعداد للاعتراف بنظام الأسد، والدفع نحو الأمام بإعمار الدولة في ظل التنسيق السياسي-الأمني مع الدول العربية وروسيا، وهذا يمكن من تشكّل استراتيجية ناجعة لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا".
ونبهت إلى أهمية العمل على "تواصل تعزيز التنسيق الأمني والمساعدة المدنية، في ظل تعزيز حوكمة السلطة، صد حركة حماس على الأرض وتمكين الردع تجاهها، كما أن عليها أن تطلق إشارة لحركة حماس، بأن استمرار جهودها لإشعال الاجواء في الداخل ليس مقبولا، وعلى إسرائيل أيضا أن تبلور استراتيجية شاملة تشير إلى أفق سياسي لتحقيق فكرة الفصل لأجل منع المسيرة الزاحفة المتحققة بشكل "الدولة الواحدة"، ومنع أزمة في العلاقات مع واشنطن".
وبشأن الأزمة الأوكرانية، فقد أشارت الدراسة إلى أهمية أن "تمتنع بقدر الإمكان عن التدخل في الأزمة، في ضوء الحاجة للحفاظ على التنسيق الاستراتيجي مع سوريا في سياق المعركة بين المعارك، وبالتوازي تعزيز التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة قدر الإمكان".