اهتم مركز بحثي إسرائيلي، بالحديث عن القرارات الصادرة عن اللجنة المركزية لحركة "فتح" برئاسة محمود عباس، والتي استبقت عقد الدورة الـ31 للمجلس المركزي الفلسطيني الذي عقد على مدار اليومين الماضيين في رام الله بالضفة الغربية المحتلة.
وأوضح "مركز بحوث الأمن القومي" التابع لجامعة "تل أبيب" العبرية، في تقديره الاستراتيجي الذي أعده يوحنان تسوريف، أن "سلسلة قرارات اللجنة المركزية عشية انعقاد المجلس المركزي، تثير الغضب في الساحة الفلسطينية، وسط تساؤلات عن مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية وإمكانية المصالحة الداخلية".
صراع الخلافة
ونبه إلى أن "التساؤلات تتعلق ضمن أمور أخرى، بالقدرة على تنفيذ ما تعهد به عباس في خطابه في 2021 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنها سحب الاعتراف بإسرائيل والتراجع عن الالتزامات معها، في حال لم ينتهِ الاحتلال في غضون سنة واحدة".
ولفت المركز، في تقديره الذي يأتي ضمن نشرة استراتيجية يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان "نظرة عليا"، أن هناك إجراء "فرض على أعضاء اللجنة ولم يترك مجالا للمعارضة، أعلن عن سلسلة تعيينات وترشيحات لشخصيات من المقربين والموالين لعباس، حيث تقرر في الاجتماع تجديد الثقة بعباس رئيسا لفتح وللمنظمة، وترشيح حسين الشيخ المقرب من عباس لعضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة، وترشيح روحي فتوح، لرئاسة المجلس الوطني (هذا ما تم في مجلس المركزي)".
وأكد أن "لهذه القرارات أهمية كبيرة للسيطرة في مؤسسات منظمة التحرير وحركة فتح، وكذا على الصراع الذي بدأ منذ الآن على خلافة عباس، علما بأن تجديد الثقة بعباس، جاء لتعزيز شرعيته كرئيس في ضوء الهبوط في معدلات التأييد له في أوساط الجمهور منذ قرار إلغاء إجراء الانتخابات في نيسان/ أبريل 2021، والعمل على استقرار حكمة حتى نقله لخلفائه".
واعتبر أن ترشيح حسين الشيخ لعضوية اللجنة التنفيذية هو "الخطوة الأكثر إشكالية، في الوقت الذي يوجد من هو أكبر وأجدر منه، حيث إن ميزة عضوية التنفيذية تمنحه تفوقا في المنافسة على خلافة عباس، مع التذكير أنه تورط في الماضي في قضايا رشوة وتحرشات جنسية، وهو ملتصق بعباس في كل اتصالاته التي تحفظ العلاقة مع إسرائيل وجهات خارجية وتضمن بقاء السلطة".
وأكد أن حصول الشيخ على عضوية التنفيذية بدلا عن الراحل أمين سر اللجنة التنفيذية والمسؤول عن ملف المفاوضات صائب عريقات، "يجعل الشيخ في موقف أكثر راحة من الآخرين في صراع الخلافة، ومع ذلك، فإن صائب لم يعتبر كخليفة محتمل للرئيس، علما بأن عباس كان أمينا لسر اللجنة التنفيذية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، واعترف به كخليفته قبل سنوات من أن يصبح رئيسا".
خيبة كبيرة
وبين المركز البحثي، أن تولي فتوح رئاسة المجلس الوطني، "جاء كي تودع في يد شخصية موالية، وهو مقرب من عباس ومن المنفذين لكلامه، خاصة في عهد تكون فيه حاجة لاتخاذ قرارات تثير المعارضة في الشؤون السياسية، والخلافة ونقل الصلاحيات، وربما أيضا تعديل اللوائح والإجراءات"، منوها إلى أن "تعيين فتوح يثير النقد بسبب وصمة الفساد التي التصقت به (تهريب أجهزة هواتف خلوية في سيارته الخاصة ضبطها الاحتلال)".
ووصف هذه القرارات بعملية "اختطاف، طبخها عباس ومقربوه دون إمكانية طرح مرشحين إضافيين أو حتى السماح بالاعتراض، علما بأن المتضرر الأساسي من اجتماع اللجنة هم جبريل الرجوب ومحمود العالول وتوفيق الطيراوي"، مؤكدا أن "محاولة دحر هؤلاء الأشخاص عن السباق، سيفتح جبهة جديدة داخل فتح، فهؤلاء الثلاثة خيبتهم كبيرة".
وذكر أن تمرير قرارات مركزي "فتح" في اجتماع المجلس المركزي وهو ما تم بالفعل، "ستعزز سيطرتهم على منظمة التحرير والسلطة وعلى كل مؤسساتهما"، لافتا إلى أن دلالات هذه القرارات هي: تأجيل الانتخابات للمؤسسات الوطنية إلى موعد غير مسمى خوفا من فشل فتح لفقدانها وزعيمها التأييد الجماهيري، وأيضا تعزيز التعلق بإسرائيل في شؤون الأمن والحياة اليومية وكذا بالمحافل الخارجية في مجال التمويل".
ومن بين الدلالات، "التسليم بعدم وجود مسيرة سياسية في صيغة مفاوضات للتسوية الدائمة والاكتفاء بمسيرة متدنية التوقعات، ومشكوك جدا أن تتحقق تهديدات عباس في خطابه أمام الأمم المتحدة، ودق العصي في عجلات المصالحة والمس بالجزائر، حيث وقفت قرارات اللجنة المركزية في تناقض مطلق مع مداولات الجزائر بل إنها تقضي على المصالحة في المستقبل المنظور للعيان".
موضع اختبار
ولفت التقرير إلى أن تلك القرارات هي "إشارة سلبية للجيل الشاب بالنسبة لمدى التزام القيادة بمستقبلهم وتوقعهم لخلق فرص جديدة، إضافة لإغلاق المعالجة لملفات الفساد المعلقة واستخدامها كأداة لاتهام معارضي القرارات المحتملين، في داخل فتح وخارجها".
وبين أن تمرير المجلس المركزي لقرارات مركزية "فتح"، هو "تنازل عملي من عباس وتياره عن الشرعية الجماهيرية وإلغائها كمصدر الصلاحيات لحكمهم، وهي ربط لمصيره ومصير حكمه بإسرائيل..، وستكون هذه عمليا، فتح جبهة واسعة مع الجمهور الفلسطيني خائب الأمل، وستنضم إليهم أجنحة محمد دحلان، ومروان البرغوثي وخائبي أمل آخرين من "فتح"، ممن تمس بهم القرارات وتتركهم عمليا دون بيت سياسي".
وقدر أنه "في واقع كهذا، سيشتد الضغط على الضفة الغربية من جهة حماس ومن داخل الضفة الغربية، بهدف إشعال المنطقة وتشديد الاحتجاج ضد إسرائيل والسلطة، وانضمام فصائل لهذا الجهد، كفيل بأن يوقظ الجمهور الغفير المليء بمظاهر العداء للسلطة وأجهزة أمنها، وعندها سيكون موضع اختبار الولاء الذي تبديه حتى الآن هذه الأجهزة، لأنها تتهم بالتعاون مع إسرائيل".
وأضاف: "يدور الحديث عن كتلة كبيرة من الضغط الذي سيقع على كاهل إسرائيل، ليس فقط بصفتها الحاكم في مناطق الضفة الغربية، بل بصفتها سيدة السلطة الفلسطينية، ومن شأن استخدام العمليات أن يزداد، وضبط الأمن في المستوطنات الاسرائيلية في مناطق الضفة الغربية، سيستدعي تعزيز القوات والسيطرة على المناطق في صالح الحراسة والأمن، ومن شأن هذا التطور أن يعيد إسرائيل إلى أماكن خرجت منها قبل أوسلو، بل وفي مناطق معينة كي تضع الفلسطينيين تحت سيطرتها".
ونبه المركز البحثي إلى أن "لقاءات عباس ومسؤولين آخرين في السلطة مع وزراء إسرائيليين، تشير إلى زيادة تعلقهم بإسرائيل، ولكن من أجل محاولة منع تلك الأحداث التي من شأنها أن تعيدنا للسيطرة المعززة في الضفة الغربية، على "إسرائيل" أن تتنكر لمكانة السيد التي من شأنها أن تنشأ في العلاقات بينها وبين السلطة، وأن تشدد على استقلال السلطة وتطلعها لتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي الفلسطيني، وكذا لخلق فرص عديدة قدر الإمكان للشبان الفلسطينيين في مجالات العمل المتطورة".