يتصاعد التوتر الساخن بين الغرب وروسيا، بعد هجوم الأخيرة على أوكرانيا، وسط توقعات من تحولات قد يشهده النظام الدولي.
وتواصل القوات الروسية عملياتها البرية والجوية في أوكرانيا، واكب ذلك عقوبات أوروبية وأمريكية غير مسبوقة على موسكو، ودعم غربي بالسلاح لكييف.
وتسود المخاوف من تحول التوتر بين الغرب وروسيا لاشتباك ساخن وامتداده في منطقة البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط.
وفي التقرير الشهري لمجلة "كريتر" التركية، قال الكاتب برهان الدين دوران، إن الكرملين يزعم بأنه يجري عملية عسكرية بدعوة من الجمهوريتين الانفصاليتين في دونباس، وأن الهدف منها "نزع سلاح أوكرانيا وتطهيرها من "النازيين الجدد".
لكن القصف الروسي الذي طال المطارات والنقاط العسكرية، وشمل عدد كبير من المدن، مع دخول للقوات البرية من شبه جزيرة القرم، وعمليات إنزال جوي بالقرب من كييف، يظهر أن نظاق هذه العملية يتجاوز دونباس، والهدف هو تغيير النظام الحاكم في أوكرانيا.
ورغم المواقف الحادة، لم يكن من المتوقع التوجه لرد عسكري من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وأوروبا، وقام "الناتو" بتفعيل الخطط الدفاعية للدول الأعضاء فيه، وتحدث المسؤولون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن عقوبات اقتصادية شديدة من شأنها أن تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي، والمثير للدهشة بأنهم أصبحوا أكثر رساخة بهذه القضية.
وأشارت المجلة التركية إلى أنه حاليا، فإن توقف الحرب يعتمد على قرار بوتين، والمقاومة الدفاعية لأوكرانيا بالدرجة الأولى.
ويدرك الجميع بأن بوتين لديه طموحات توسعية، ونقلت سياسة إعادة الناتو الذي توسع في أعوام 1999 و2008 و2014 إلى ما قبل عام 1997 لمرحلة جديدة، ويحاول التعافي من الآثار السلبية الناجمة عن إنهيار الاتحاد السوفيتي والتي وصفها بـ"أكبر كارثة في القرن الـ20"، ولا يحفي الرئيس الروسي مع خطاباته التي جاءت مع بدء الهجوم بأنه يسعى إلى إنشاء إمبراطورية روسية جديدة.
ويعتقد بوتين بأن أوكرانيا جزء من روسيا، وكرر هذا الإدعاء الذي أعلنه عام 2014، في خطابه الذي أدلاه في 22شباط/ فبراير الماضي، مؤكدا أن أوكرانيا تشكلت من قبل الثورة البلشفية عام 1917، ومنحت الأراضي الروسية التاريخية من خلال إدارة لينين.
كسر جيوسياسي كبير
وقالت المجلة، إنه بالنظر إلى أفكار بوتين، فهناك احتمال أن يكون هجوم روسيا على أوكرانيا نقطة تحول بالنسبة لمستقبل النظام الدولي، ويوصف الهجوم بالفعل بأنه "أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية".
على المدى القصير، فإن سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها هي القائمة على أرض الواقع، ولكن ما هو مطروح على الطاولة على المدى المتوسط يتعلق بمنافسة القوى العظمة ومستقبل النظام الدولي، والهجوم الروسي على أوكرانيا يشير إلى أن هذا النظام آخذ بالانهيار تماما.
وكانت الشروط التي طرحتها روسيا بذرائع أمنية متطرفة، كما أنه وفقا لإدارة الأزمات لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فلم يتم منع الهجوم الروسي أيضا، كما أن بوتين ليس بمجنون ويجري تقييمات عقلانية، ومع ذلك من السابق لأوانه تحديد من الذي ارتكب الخطأ في هذه الأزمة.
وأضافت المجلة أن العمى الاستراتيجي للديمقراطيين الأمريكيين كان واضحا جدا، وفي عهد باراك أوباما ظنوا أن الروس غارقين في مستنقع سوريا، ولكن روسيا وسعت نفوذها في الشرق الأوسط فضلا عن سيطرتها على سوريا.
وقد تعتقد بعض الدوائر في واشنطن أن روسيا عالقة في مستنقع مع الهجوم الأوكراني، ولكن هذه المرة يتمثل التهديد في توسيع روسيا لضغوطها على أوروبا الشرقية، بل على أوروبا بأكملها، ويمكن إعادة تشكيل بنية الأمن الأوروبي ما سيمثل انتكاسة متعددة الأوجه للولايات المتحدة.
وذكرت أن بوتين عليه أن يحصل على نتائج سريعة، وسيرغب على الفور بتشكيل إدارة ترتبط به في أوكرانيا، كما أن إطالة أمد الأزمة إلى جانب العقوبات المتتالية من الغرب سيستنزف الاقتصاد الروسي بشكل كبير.
من غير المرجح أن يتم تجاهل أوكرانيا، مثل سوريا التي شهدت مقتل مئات الآلاف في حرب أهلية منذ أحد عشر عاما، ولا توجد عاصمة تريد أن تستمر هذه الحرب لفترة طويلة، مما سيؤثر بشدة على الأمن الأوروبي، ولهذا السبب قد يتعرض زيلينسكي لضغوط تدعوه للتخلي عن السلطة من أجل إنقاذ البلاد، بحسب المجلة.
وأضافت المجلة أن النصر المبكر سيعزز بوتين، ولكن فإن إطالة أمد الحرب ليس لصالح روسيا، وستواجه عددا من الإشكاليات الناجمة عن طول الأزمة، بدءا بالخسارة الكاملة للشعب الأوكراني إلى العقوبات الاقتصادية الشديدة، واحتمال تعويضات الحرب والاتهامات برإرتكاب جرائم حرب.
وإن احتلال بوتين لأوكرانيا بأكملها مما يجعله يواجه مقاومة شعبية، مع زيادة الخسائر المدنية، سيكون كارثيا على الرئيس الروسي، وسيحيد تماما التفسيرات الروسية فيما يتعلق بأمنها.
قد تضطر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يكتفيان بالعقوبات المالية غير المسبوقة، وإرسال الإمدادات العسكرية إلى الإدارة الأوكرانية مع استمرار الحرب، إلى اتخاذ قرارات جديدة بفرض عقوبات على روسيا في مختلف المجالات، لاسيما في مجال الطاقة.
ومسألة "العودة إلى الدبلوماسية" هي أيضا موضوع مواجهة أيديولوجية بين الغرب وروسيا، وتعتقد العواصم الغربية أنه منذ بداية الأزمة لم تكن روسيا مستعدة للانخراط في الدبلوماسية، والكرملين من ناحية أخرى، يعتقد أن الغرب لا يعطي فرصة لذلك.
ونوهت المجلة إلى أن هناك شيئان يبرزان في هذه الحرب التي يسودها الحجج بشكل كامل، الأول، أن بوتين الذي يكرر خطأ حكام الحقبة السوفيتية، أعطى إدارة بايدن الفرصة لتعزيز التحالف الغربي وحلف شمال الأطلسي.
أما الأمر الآخر، أن التحالف الغربي فشل في إظهار التصميم اللازم في مواجهة الهجوم الروسي، وحققت روسيا مكسبا جديدا في حلمها الإمبراطوري، ولن تتوقف عند هذا الحد فقد تطرح مطالب جديدة على جورجيا ومولودوفا ودول أوروبا الشرقية.
مساعي صعبة للتوصل إلى هدنة
بدأت المفاوضات بين الجانبين مع اليوم الخامس للهجوم الروسي، ولكن ليس من السهل التوصل إلى هدنة بسهولة، ويهتم الجانبان بالبقاء على طاولة المباحثات، لكن تقديم تنازلات من الرئيسين بوتين وزيلينسكي صعب للغاية، كما تذكر المجلة.
قبل الاجتماع الأول، أعلن زيلينسكي أنهم يريدون وقفا فوريا لإطلاق النار وانسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية كاملة بما فيها دونباس وشبه جزيرة القرم، ويعتقد أن يده أصبحت أقوى بسبب المقاومة الأوكرانية إلى جانب العقوبات الاقتصادية الغربية والمساعدات العسكرية من الاتحاد الأوروبي.
ومن الواضح أن المساعدة العسكرية الأوروبية ستزيد من مقاومة الجيش الأوكراني، الذي يجر الروس إلى المدن، مما يسهم في إطالة مدى الحرب، وذلك لا يرغبه بوتين.
هل نتجه إلى حرب عالمية ثالثة؟.. تغييرات على مراحل
ورأت المجلة، أنه بغض النظر عن الخطاب الأمني الطموح للرئيس الروسي بوتين، فقد صدم العالم بعد أيام قليلة من بدء الحرب عندما أطلق "البطاقة النووية"، ثم قال بايدن إن البديل للعقوبات الاقتصادية الثقيلة هو الحرب العالمية الثالثة.
ومن الواضح أن التلويح بالبطاقة النووية، كان هدفه دفع أوكرانيا للاستسلام، وإعطاء رسالة إلى التحالف الغربي مفادها "لا تقدم مساعدات لأوكرانيا، ولا تعقد عملي، سأذهب إلى أبعد من ذلك إذا لزم الأمر".
ومع ذلك، فإن المخاوف الأمنية الناجمة عن تصرفات روسيا وتهديداتها تقودنا إلى عالم يزداد فيه الإفراط في التسلح، بما في ذلك الأسلحة النووية، وتتمثل المرحلة الأولى من هذا التحول واسع النطاق في تحويل الأزمة الأوكرانية إلى "حرب أوروبية" بمساعدة عسكرية من الاتحاد.
وبحسب المجلة، فإن المرحلة الثانية، تتمثل بالنمو الحتمي لميزانيات الدفاع، واتخذت ألمانيا قرارا من شأنه تغيير التوازن الاستراتيجي الأوروبي بميزانية دفاعية جديدة تبلغ 100 مليار يورو.
أما المرحلة الثالثة، تكمن في التغييرات السياسية للقوى العظمى في نقاط الأزمات، اعتمادا على نتيجة الغزو الأوكراني، وعلى سبيل المثال هل تغزو الصين تايوان؟، ماذا تفعل اليابان حيال جزر الكوريل؟.. فجميعها أسئلة مطروحة الأن.
والمرحلة الرابعة، تسريع البلدان لامتلاك أسلحة نووية لحماية نفسها ولحل المشاكل الأمنية المحيطة بها.
ورأت المجلة، أنه في هذه المرحلة، فإن احتمال نشوب حرب عالمية تستخدم فيها الأسلحة النووية منخفض للغاية حتى الآن، ولكنها ليست علامة جيدة في دخولها في خطابات صناع القرار، ولذلك فإن التلويح بالبطاقة النووية، أخذ بوتين منافسة القوى العظمة إلى مرحلة جديدة.
وأضافت أن بوتين يسير في معادلة صعبة للغاية، إما احتلال كامل وصعب أو التراجع مع الحد الأدنى من المكاسب تحت ذريعة المفاوضات.
وذكرت المجلة، أن الاحتلال الكامل يعني حربا أهلية ستدمر أوكرانيا، أو تقسيمها، وسيصاحبها سنوات من العزلة لروسيا، أما التراجع مع حد أدنى من المكتسبات فيعني أن حلم بوتين في أن يصبح "القيصر الجديد" لن يتحقق، وتشير هذه المعادلة الصعبة إلى أن غزو روسيا لأوكرانيا قد يطول، وفي كلتا الحالتين لن يتأثر أطراف الحرب فقط بما يحدث بل سيتأثر النظام الدولي بأكمله.