تواصل القيادات العسكرية للاحتلال مراقبة الحرب الروسية الأوكرانية، في محاولة لاستخلاص الدروس والعبر منها، لاستغلالها في مواجهات مرتقبة على جبهات ساخنة، بحسب مقال نشرته القناة 12 العبرية.
وأشارت القناة في مقالها إلى تزايد قناعة جنرالات الاحتلال بأن هذه الحرب في أوروبا الشرقية غزيرة بالدروس الإستراتيجية العميقة لإسرائيل التي قد تواجه حربا مشابهة في أي جبهة مشتعلة حولها، حيث يسعون لتقييم واقع الحرب الحالية من جهة، واستشراف المتغيرات التي قد تؤدي إليها من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة التعرف على الأخطاء التي قد يقعون بها في حرب قادمة.
في السياق ذاته، تعتقد القيادات العسكرية الإسرائيلية أنه رغم مرور ثلاثة أسابيع على اندلاع الحرب في أوكرانيا، لكنها ما زالت محاطة بحجاب كثيف من الضباب، الأمر الذي يصعب على الإسرائيليين صياغة صورة دقيقة وتقييمات وتوصيات لرجال السياسة لديهم، وهذا هو التحدي الذي يواجهه صناع القرار، وفق المصدر ذاته.
كما أقر المقال بأن هناك تحيزا إسرائيليا لافتا باتجاه أوكرانيا، ما قد يؤثر على دراسة الواقع، ويسبب قناعات تمزج بين الرغبات الذاتية، والتقييمات الموضوعية، بسبب الفجوات التي تكشفت أمامهم عن طبيعة التطورات العسكرية بين موسكو وكييف.
وذكر كل من رئيس الدائرة الأمنية والسياسية السابق في وزارة الحرب، ورئيس معهد السياسة والاستراتيجية (IPS) بجامعة رايشمان، الجنرال عاموس غلعاد ورئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز دايان بجامعة تل أبيب، مايكل ميلشتاين في مقال مشترك بموقع القناة 12، أن "صورة الحرب الروسية الأوكرانية، ما زالت غير مفهومة بصورة كاملة أمام الإسرائيليين".
وأضافا في مقالهما أن "احتمالية تحقق أي من الفرضيات التي يضعونها يعتمد على مجموعة من المعلومات النوعية حول التحركات الروسية، لا سيما حشد القوات، وتدريبها للمعركة، والمعلومات الاستخبارية الدقيقة بشأن القرار الذي اتخذ في موسكو بالغزو".
وأوضحا أن "مسؤولي المخابرات الإسرائيلية يواجهون صعوبة في تقييم العمليات العسكرية المتعمقة، رغم أن الاستخبارات الاستراتيجية كان يفترض بها أن تعتمد على حساسية موسكو التاريخية لوجود قوات الناتو على أعتابها، وهو ما ينطبق على أوكرانيا، ولكن يبدو أن المخابرات الإسرائيلية كانت عشية الحملة، وإلى حد كبير حتى اليوم، لديها تقديرات غامضة بشأن النوايا الاستراتيجية للروس، ولذلك فإن سيناريوهاتها ما زالت غير واضحة المعالم".
ويطرح الإسرائيليون في منتدياتهم الأكاديمية والسياسية والأمنية تساؤلات، ليس لها إجابات، أهمها: هل أن الخطة الروسية هي غزو كامل لأوكرانيا، وتشكيل حكومة "دمية" فيها، وما مدى فشل هذه الخطة أمام ما يبدو أنه تشابك عسكري قوي في كييف، وما هو تصور الروس لقيمة الوقت في الحملة الحالية، وهل أن هذه الحملة كفيلة بتغيير خريطة المنطقة المحيطة بروسيا، وما هو أوجه الشبه بين الحرب الروسية الجارية، وما واجهته إسرائيل من مفاجآت غير متوقعة في حروبها الأخيرة في المنطقة.
فيما تحاول الأوساط الإسرائيلية في هذه الأيام إجراء محاكاة عسكرية عملياتية للحملة القتالية الجارية في أراضي أوكرانيا، مع سيناريو إسرائيلي متوقع في غزة أو بيروت، مما يجعلها تراكم أهم الدروس المستفادة من الحرب الروسية، وتقوم بتخزينها في أذهان صناع القرار الإسرائيليين، والتحسب للعواقب الوخيمة التي قد تواجهها إسرائيل في حالة عدم فهم نوايا أعدائها الاستراتيجيين، في غزة وإيران ولبنان، كما حصل في إخفاق حرب 1973 أمام مصر وسوريا.
في الوقت ذاته، اكتشف الإسرائيليون أحد الأخطاء الذي وقع فيه بوتين، حين ازدرى معارضيه في أوكرانيا، واعتقد بأن وعيهم ووجودهم يمكن "هندسته" كما يريد، وهو ما تقع فيه إسرائيل أيضا حين تسعى لتصوير القادة المعادين لها على أنه يمكن السيطرة عليهم، وقراءة أفكارهم، لكنها في الحقيقة تواجه صعوبة في تفكيك رموز منطق عملهم في العمق، مما يجعل نشوب أي مواجهة إسرائيلية في ساحة جيوسياسية واسعة غاية في التعقيد.
وخلص المقال إلى أن هذه التقديرات دفعت دوائر صنع القرار الإسرائيلية للمطالبة بمزيد من التواضع في قراءة أعدائها، وتضييق الفجوات بين معلوماتها عنهم، وقدراتهم، والحاجة للاعتماد على نطاق واسع على المصادر الخارجية لصياغة الواقع الاستراتيجي.
واستنتج مقال الأكاديميين العسكريين أن الدرس الإسرائيلي المستفاد من الحرب الروسية الأوكرانية يكمن في الأدوات في محاربة اللاعبين ذوي القوة المحدودة، مثل حماس أو حزب الله، التي تنجح أحيانًا لكنها محدودة التأثير.