سلطت صحف عبرية، اليوم الخميس، الضوء على تعامل سلطات الاحتلال مع المعتقلين المؤيدين والمنتمين لتنظيم “داعش” لديها وخاصة برنامج إعادة تأهيلهم، وذلك في أعقاب عملية بئر السبع التي نفذها الشاب محمد أبو القيعان من سكان حورة النقب والذي كان معتقلًا لمدة تزيد عن 4 سنوات بزعم تأييده للتنظيم الذي ينشط في عدة دول من أبرزها سوريا والعراق.
وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فإن أبو القيعان كان واحدًا من 87 عنصرًا محسوبًا على تنظيم داعش كانوا ولا زال بعضهم معتقلين لدى الدوائر الأمنية في سجون الاحتلال، حيث تم إدانته عام 2016 بالانتماء للتنظيم ونشر تعاليمه المتطرفة ومحاولة التحاقه بصفوفه في سوريا.
ووفقًا للصحيفة، فإنه بالرغم من أن مصلحة السجون طورت برنامج إعادة تأهيل لسجناء “داعش”، من خلال دمجهم في أجنحة أسرى فتح، إلا أن أبو القيعان نقل لاحقًا إلى أجنحة حماس.
وكان تنظيم داعش في أوج شعبيته في نصف العقد الماضي، وسعى العشرات من فلسطينيي الداخل والضفة الغربية أن ينضموا للتنظيم، وبعضهم حاول الوصول إلى سوريا والعراق للالتحاق فيه، بحسب الصحيفة العبرية.
وتشير الصحيفة إلى أن مصلحة السجون أجرت مناقشات حول أي جناح سيخصص لإيواء سجناء “داعش”، وعلى الرغم من أن حماس وتنظيم “الدولة الإسلامية” منظمتان دينيتان، إلا أن هناك اختلافات أيديولوجية بينهما وحتى خصومات، لذلك تقرر إيواء معظم عناصر “داعش” المعتقلين مع معتقلي فتح والبدء بخطة لتغيير أفكارهم، وكان الهدف تغيير نظرتهم إلى العالم وإعادة تأهيلهم من خلال الفصيل الفلسطيني العلماني.
وقال مصدر أمني إسرائيلي شارك في برنامج إعادة تأهيل سجناء “داعش”، إن الناطقين باسم الأجنحة أخذوا أسرى داعش تحت جناحهم وأمروا سجينًا كبيرًا بمرافقتهم، وحاولوا إعادتهم إلى الطريق الصحيح من خلال دراسات ثقافية ومحادثات شخصية.
وبحسب الصحيفة، فإن الهيئة التي قادت المشروع كانت شعبة استخبارات مصلحة السجون، وتم تقسيم سجناء داعش إلى 3 مجموعات، النواة الصلبة والأيديولوجية وتم نقل عدد منهم إلى زنازين منفصلة، وبعضهم يعاني من نفسية، ومنهم عناصر التنظيم الذين عادوا من سوريا والعراق، وأنصار أبدوا تعاطفهم مع التنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخططوا للتوجه إلى سوريا.
في حين أن المجموعة الثانية نقلت إلى أجنحة حماس وهي خطوة أثارت مواجهة على أسس دينية وفي بعض الأحيان وصلت إلى حد العنف، أما المجموعة الثالثة التي ضمت معظم سجناء داعش، فقد نقلوا إلى أجنحة حركة فتح، ووصفها مسؤول أمني إسرائيلي بأنهم “المجموعة الناعمة” الذين أدركوا أنهم فهموا بأن “داعش ليس العالم الوردي الذي يتم تقديمه لهم على وسائل التواصل، وتم ربطهم بكبار أعضاء فتح وغيروا نظرتهم إلى العالم خاصة وأن فتح منظمة معتدلة نسبيًا في السجون”.
وتم توزيع أنصار تنظيم داعش المعتقلين، بحيث لا يكون هناك أكثر من سجين واحد من داعش في الجناح وتم رصدهم عن كثب من قبل مصلحة السجون، وكان قص اللحية بمثابة اختبار نجاح – كما يقول المسؤول الإسرائيلي – الذي أضاف “كانوا يأتون بلحية طويلة وبدون شارب، وكان يتم التعرف عليهم بسهولة، وكانوا دائمًا يعزلون أنفسهم عن الآخرين، ولا يأكلون مع بقية السجناء، ويمشون بشكل منفصل ويتعاملون مع الجميع بحذر شديد، وكان برنامج إعادة تأهيل ناجحًا نسبيًا في البداية وتخلى ما يقدر بنحو 50% منهم عن الفكر المتطرف، ودمج عدد منهم في أجنحة فتح لم يسير على ما يرام دائمًا، ووقعت حوادث عنف في أكثر من مرة”.
كان أبو القيعان أحد ستة من سكان منطقة الحورة اعتقلوا في مايو / أيار 2015 للاشتباه في قيامهم بنشر أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية في المساجد والمدارس التي كانوا يدرسون فيها، بدأوا مرحلة اعتقالهم جميعًا في أجنحة فتح ووزع المتحدثون باسم الأجنحة أموالهم عليهم، وقال مصدر فلسطيني كبير مقرب من الأسرى “تم تأهيلهم ونشرهم بين الأسرى باستثناء اثنين، كان محمد أحدهم، واستمر في الدفاع عن تطرف داعش ولم يساعد في إعادة تأهيله”.
سرعان ما انتقل أبو القيعان بين أجنحة حماس في مختلف السجون، حتى أنه دخل في إضراب عن الطعام في تموز / يوليو 2017، وضبطت بحوزته شريحة مهربة، لكن أبو القيعان لم ينسجم اجتماعيًا معهم، ويقول المسؤول الفلسطيني: “لقد كان إسلاميًا متطرفًا ورعًا”.
وتكشف مواد التحقيق في قضية معتقلي حورة النقب عن اللقاءات السرية التي جرت بينهم في الغابة وفي مدرسة مهجورة في منطقة سكنهم، وقال أحد المعتقلين في التحقيق: “تحدثنا عن الدولة الإسلامية وانتصاراتها في الحروب، والتقينا في المدرسة المهجورة حوالي ثلاث أو أربع مرات، ولم يكن لدينا هواتف واتفقنا على الاجتماع بالقرب من منزل محمد لأن هناك أشجار كثيفة، وبدأنا نلتقي هناك ليلاً ونتحدث عن داعش بدون هواتف خوفًا من المراقبة، وفي لقاء آخر قررنا وكنا 3 أشخاص بيننا محمد الانضمام إلى المنظمة، وخططنا للذهاب إلى العمرة ومن هناك نذهب غلى الصحراء ونختفي لفرة، ونشتري هاتفًا ونتواصل عبر شبكات التواصل مع أشخاص من داعش”. كما نقلت صحيفة هآرتس العبرية عنه محضر التحقيق لدى الشاباك.
وبحسب الصحيفة، يوجد حالياً 19 أسيرًا منتسبين لتنظيم “الدولة الإسلامية” في السجون الأمنية الإسرائيلية، من بينهم أبناء عائلة مخامرة منفذي عملية مجمع شارونا في تل أبيب عام 2016 والتي قتل فيها أربعة إسرائيليين، ويقول مصدر في مصلحة السجون: “معظمهم يمرون بتغيير في السجن، طواعية أو كرهًا، لكن من الواضح أنه لا أحد منهم سيصبح صهيونيًا”. وفق تعبيره.
من جهتها قالت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية، إن عملية أبو القيعان تذكر إلى حد بعيد بعنصر آخر مؤيد لتنظيم داعش وهو فادي القنبر من جبل المكبر في القدس ومتزوج ولديه 4 من الأطفال، والذي نفذ عملية دهس في كانون الثاني 2017 عبر شاحنة ما أدى لمقتل 4 جنود وإصابة عدد آخر من الجنود الإسرائيليين.
وأشارت الصحيفة إلى العملية التي نفذها أبناء عائلة مخامرة من الخليل في مجمع شارونا في تل أبيب وأدت لمقتل 4 إسرائيليين أيضًا، مشيرةً إلى أن اعتقال عدد من فلسطينيي الداخل بعضهم قاتل في سوريا وعاد إلى إسرائيل، منهم طبيبة وزوجها وغيرهم، ومنهم من قتل في سوريا والعراق ومنهم من عاد واعتقل.
وقالت الصحيفة “هم وآخون يختلفون عن طبيعة التهديد النموذجي المعروف من انتفاضة الهجمات الفردية، كثير منهم أكبر سنًا ومتزوجون ولديهم أبناء، وليسوا عاطلين عن العمل، ولكنهم محترفين وبعضهم محترمون ولهم تأثير على من حولهم، ولديهم دخل مادي ثابت”.
ووفقًا للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فإن ذورة تهديدات داعش في إسرائيل كانت ما بين عامي 2015 و2016، وتم اعتقال أكثر من 100 من فلسطينيي الداخل كانوا ينتمون للتنظيم.
وقالت الصحيفة العبرية: “على الرغم من أن رجل داعش هو من نفذ عملية السبع، إلا أنه يجب ألا نخطئ في التفريق بين: الفكر المتبادل والتأثير، وخاصة التدين، بين عناصر حماس والسلفيين المتطرفين، رغم اختلاف أساليبهم، إلا أن إمكانية تنفيذ هجوم مماثل وتقليد العملية لا زال خطرًا قائمًا وهو ما تخشاه حاليًا المؤسسة الأمنية الإسرائيلية”.