قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الأحد، عقب اجتماع مجلس الوزراء، منع تصدير كل ما تستورده الجزائر من منتجات استهلاكية كالسكر والعجائن والزيت والسميد وكل مشتقات القمح، مكلفا وزير العدل بإعداد قانون يجرم تصدير المواد غير المنتجة محليا، باعتباره عملا تخريبيا للاقتصاد الوطني.
وتحاول الحكومة الجزائرية عبر هذه الخطوات، التخفيف من وطأة انعكاسات الحرب في أوكرانيا على اقتصاد البلاد، الذي يشهد أزمة متفاقمة منذ سنة 2014.
من جانبه، أوضح أستاذ الاقتصاد في الجامعة الجزائرية أحمد الحيدوسي، أن "قرار مجلس الوزراء جاء المنع للحد من استنزاف هذه المواد المدعمة من الخزينة العمومية، إذ أن مدخلات هذه المنتجات مستوردة بالعملة الصعبة، وهي مطلوبة كثيرا في الخارج".
وأضاف: "هذا القرار يهدف إلى حماية المستهلك الجزائري وضمان استقرار السوق المحلي".
أزمة اقتصادية متفاقمة
ومع بداية عام 2022، شهدت الجزائر احتجاجات بسبب غلاء الأسعار، مما استوجب تدخل تبون لإلغاء الضرائب المصادق عليها من قبل الأطراف الداعمة للحكومة، في قانون المالية لسنة 2022.
وعرفت الموازنة المالية في الجزائر لسنة 2022، عجزا تاريخيا بلغ 30 مليار دولار، بسبب مخالفات جائحة كورونا وأزمة المحروقات.
ويرجع خبراء سبب ارتفاع معدل الجريمة في المجتمع الجزائري في الفترة الأخيرة، إلى الأزمة الاقتصادية الحاصلة، منوهين إلى أن الحرب في أوكرانيا أثرت على توفر العديد من المواد الأساسية في الجزائر وساهمت في ارتفاع أسعارها.
تزايد الطلب على الغاز الجزائري
وتضغط دول الاتحاد الأوروبي على الجزائر، للرفع من حجم صادرات الغاز إلى أوروبا، بهدف تعويض الغاز الروسي.
وفي 28 شباط/ فبراير الماضي، زار وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، الجزائر للتباحث مع السلطة الجزائرية بشأن الزيادة في إمدادات الغاز بهدف تعويض الغاز الروسي.
وعقب اللقاء، قال لويجي دي مايو، إن "الحكومة الإيطالية ملتزمة بزيادة إمدادات الطاقة وخاصة الغاز من مختلف الشركاء الدوليين بما في ذلك الجزائر، التي لطالما كانت مزودا موثوقا".
وفي السادس من آذار/ مارس، أجرى رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، مكالمة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، للتباحث في زيادة إمدادات الطاقة.
وعقب المحادثة الهاتفية، قال رئيس الحكومة الإسباني: "نشكر الجزائر، التي تعد من أهم الشركاء الموثوقين في مجال الطاقة، ونتطلع إلى العمل على تطوير وتعزيز التعاون القائم، بين البلدين في هذا المجال".
بدورها، أفادت إذاعة فرنسا الدولية "إر إف إيه"، بأن الجزائر رفضت طلبا قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة تشغيل خط الغاز الذي يربط الجزائر مع إسبانيا عبر المغرب، والذي أعلنت الجزائر عن عدم تجديد عقد استغلاله في تشرين الأول/ أكتوبر 2021.
وذكرت الإذاعة الفرنسية، أن نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان، طلبت من السلطات الجزائرية، خلال زيارتها الأخيرة للجزائر، إعادة تشغيل خط الغاز المغلق.
وتحتل الجزائر المركز الحادي عشر عالميا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي، والمقدرة بحوالي 159 تريليون قدم مكعب، في حين أنها تعد السابعة عالميا في تصدير الغاز الطبيعي.
هل يخفف تزايد الطلب على الغاز من حدة الأزمة الاقتصادية؟
بدوره، علق أستاذ الاقتصاد في الجامعة الجزائرية أحمد الحيدوسي، على ازدياد الطلب على الغاز الروسي، قائلا: "شهدت أسعار الغاز الطبيعي في العالم ارتفاعا تاريخيا بسبب الحرب في أوكرانيا وقد مثل هذا الارتفاع فرصة للجزائر للتخفيف من حدة أزمتها الاقتصادية والاجتماعية".
وأضاف: "كل المؤشرات الاقتصادية الكلية للجزائر مستقرة، والعائدات التي يمكن جنيها من ارتفاع أسعار المحروقات يمكن أن تساهم في بعث مشاريع خاصة في البنية التحتية التي ينتظرها المواطن الجزائري".
من جهته، أوضح الباحث والكاتب في الشؤون الأمنية والسياسية عمار سيغة، أن "ارتفاع الأسعار العالمية للغاز والطاقة، فرصة حقيقية لاستعادة أنفاس الاقتصاد الجزائري، الذي أنهكته الأزمات والتقلبات المالية لأسواق البترول والغاز"، مشيرا إلى أنه من الممكن كسب الفرصة لمعالجة الركود الاقتصادي وتوقف عجلة الاستثمارات والبنية التحتية بسبب تراجع مدخرات الخزينة العامة.
وقال: "هذه الأزمة لا يمكن معالجتها إلا من خلال إصلاحات تمس المنوال التنموي وتحوله من اقتصاد قائم على تصدير المحروقات فقط إلى اقتصاد متنوع يوظف بقية خيرات الجزائر على غرار منتجات الزراعة والسياحة".
وأشار إلى أن "الارتفاع في سعر الغاز قابله ارتفاعا في سعر الحبوب"، منوها إلى أن "الجزائر من أهم موردي القمح حيث تصنف الخامسة عالميا في هذا المجال بمتوسط قدره 7،2 مليون طن".