فيما يتواصل التوتر الأمني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، فضلا عن التحذيرات الأمنية الإسرائيلية من مغبة عودة الهجمات الفدائية ضد أهداف إسرائيلية، عسكرية واستيطانية، فإن التخوف الإسرائيلي يزداد من مغبة أن يتسبب أي حدث إسرائيلي أو فلسطيني بتحويل الواقع بسهولة إلى انتفاضة أخرى، تكون خارجة عن السيطرة.
في الوقت ذاته، فإن الهدوء النسبي الذي يسود قطاع غزة هذه الأيام، مقابل العمليات المتواصلة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، يعني استمرارا لتدحرج الأمور الميدانية، وهو ما يحمل معه الكثير من المخاطر الأمنية على الاحتلال الذي وصل إلى قناعة مفادها، أن المسجد الأقصى وساحاته المقدسة هما أسهل بؤرة للاشتعال، على اعتبار أن المواجهات والاشتباكات الميدانية فيه ليست دائما عفوية، بل إنها غالبا ما يتم التخطيط لها مسبقا كعملية عسكرية.
أفرايم غانور الخبير الإسرائيلي في الشؤون الأمنية والعسكرية، ذكر في مقال بصحيفة "معاريف"، أنه "لا يجب التفريق بين قمة النقب الأخيرة للدول المطبعة وإسرائيل، وبين اندلاع المواجهات الجارية في القدس والأقصى والضفة الغربية، لأن تلك القمة التي حضرها وزراء خارجية دول عربية مهمة مثل الإمارات والبحرين ومصر والمغرب، سببت إحباطا كبيرا بين الفلسطينيين، لأنهم رأوا هذه الدول العربية تقيم علاقات مع إسرائيل، بينما هم يستمرون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما شكل في رأيي العامل الرئيسي الذي أثار موجة المواجهة الحالية".
وأضاف أنه "بينما تحافظ حماس على قوتها في غزة، وتراكم قدراتها العسكرية، فإنها تغير استراتيجيتها، وتقرر إشعال النار عن بعد، من خلال تفعيل العديد من عناصرها في الضفة الغربية، من خلال تسليحهم بأسلحة نارية في الضفة الغربية، وأخرى باردة مثل الألعاب النارية والحديد والحجارة والهراوات والعصي في ساحات المسجد الأقصى والقدس، حتى إن المقدسيين بات هتافهم الدائم "احنا رجال محمد ضيف".
ويبدي الإسرائيليون اعتقادهم بأن الصور القاسية لشرطة الاحتلال، وهم يضربون ويقبضون على شبان فلسطينيين في المسجد الأقصى، ويحولونه إلى ساحة قتال قد تثير غضب المسلمين، مع العلم أن الوقائع الميدانية في الأراضي الفلسطينية تحمل في طياتها تدحرجا باتجاه انتفاضة فلسطينية كبيرة خارجة عن السيطرة، بالتزامن مع وجود عوامل أخرى كفيلة بصب مزيد من الزيت على نار التوتر القائم أصلا، الأمر الذي سيكون من شأنه زيادة شدة الحريق.
وفي الوقت ذاته، وبجانب كل هذا، لا تخفي المحافل الإسرائيلية تركيز أنظارها باتجاه الساحات العربية التي بدأت تشهد اندلاع مظاهرات حاشدة وواسعة ضد الاحتلال، وطالبت بطرد السفراء الإسرائيليين من العواصم العربية، وإعادة السفراء العرب من تل أبيب، ما يخدم بشكل كبير مصالح الشعب الفلسطيني، وفي النهاية تكمن المخاوف الإسرائيلية في أن يؤدي كل هذا التصعيد إلى انتفاضة واسعة.