24.68°القدس
24.39°رام الله
23.3°الخليل
28.45°غزة
24.68° القدس
رام الله24.39°
الخليل23.3°
غزة28.45°
الإثنين 29 يوليو 2024
4.74جنيه إسترليني
5.2دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.01يورو
3.69دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.74
دينار أردني5.2
جنيه مصري0.08
يورو4.01
دولار أمريكي3.69

خبر: حكاية أيادٍ سمراء ووجوهٍ أكلتها الشمس

سرت في شارعنا الذي اعتدت الخروج منه لعملي كل يوم، ولكنه هذا اليوم غير كل يوم .. فمنذ أربعة سنوات على الأقل، لم أر حجراً في حارتنا وشارعنا يبنى على حجر، واختفت من الشارع مظاهر العمران والتطوير . أما اليوم، فإن ورشاً للبناء مفتوحة عن اليمين واليسار ، فهذا منزل يضاف إليه طابق آخر ، وهذا منزل قديم متهالك يهدم ليبنى محله بيت متعدد الطوابق وغيره وغيره . هذه الورش المفتوحة تحوي عمالاً لا يخل نهارهم من تعب أو نصب ، ولا يتبق من لون البشرة إلا ذكريات عاشوها مع الصور التي أخفاها تعب السنين وإرهاق البطالة . أياد أكلت أدوات البناء منها ما أكلت ، فأصبحت الشقوق أصولاً ثابتة في أراضي الأيدي التي اسمرت بفعل سواد الزيوت المخصصة لخشب البناء. هم سعداء لا شك ، فالابتسامة على وجوههم بعدما صلوا الفجر في مسجد الحي المتواضع مجتمعين ، تفرقوا على اتفاق بالتجمع ثانية عند السادسة والنصف صباحاً . على الموعد قدموا جميعاً وقد ارتدوا ملابس اسودت ، عليها من آثار كل شيء اسمنت ، باطون وبقايا أخشاب ، صفار صدأ مسامير البناء كنقش يزين ملابسهم وأطراف قمصانهم المتسخة . ركبوا سيارتهم وتوجهوا ناحية مكان العمل ، حيث منزل يؤسس له من القواعد ، بدأ العمل بكل هدوء ، والمعلم أبو أحمد يوزع العمل ويشارك عماله أعمالهم . المعلم أبو أحمد يستذكر أيام البطالة الإجبارية التي عاشوها بفعل الحصار المفروض على القطاع ،والذي يمنع من خلاله الاحتلال دخول مواد البناء إلى القطاع . " الحمد لله الذي هدى الناس للأنفاق التي أعادت لنا الحياة " يقول أبو أحمد . فأنفاق غزة كما يقول جاءت لتحل مشكلة الغزيين، الذين فقدوا القدرة خلال سنوات الحصار الظالم على البناء والتعمير ،وشلت قدرتهم على التطوير والتمدد الطبيعي في المساكن ،فأضحت المنازل حسب وصفه " قنابل موقوتة جاهزة للانفجار". "الحِرِك" اسم لأحد العاملين مع أبي أحمد – ينادونه هكذا لنشاطه وقدرته على العمل الشاق طوال ساعات النهار دون كلل أو ملل أو تعب – يقول :" أعاد الحصار ظاهرة سكن الشباب المتزوج في نفس منزل العائلة ". تزوج الحرك في منزل العائلة في غرفة ثلاث سنوات رغم امتلاكه المال بقدر مناسب يمكنه من بناء منزل خاص به حيث جمع المال من خلال عمله الشاق في البناء منذ كان في الخامسة عشر من عمره ، لكن حصار القطاع حال دون ذلك . " لقد كان الزواج في بيت العائلة خياراً صعباً وأمراً لم أقبله على نفسي لو كانت الظروف طبيعية ، لكنه القدر " يقول الحرك مبتسماً . مشاريع البناء والتطوير في قطاع غزة أصبحت ظاهرة واضحة للعيان فلا يكاد يخلو شارع في القطاع لا توجد فيه أعمال بناء ، والفضل يعود للأنفاق التي أصبحت ذات قدرة كبيرة على إدخال مواد البناء بما يلبي الحاجة الكبيرة للسكان رغم سعرها المرتفع بعض الشيء . يقول أبو أحمد:" الذي سهّل وسرّع في عمليات البناء هو ما حدث من هبوط في أسعار مواد البناء ورخص سعرها بشكل ملحوظ ". فمواد البناء التي ارتفع سعرها خلال سنوات الحصار السابقة إلى أسعار فاقت الخيال تعود اليوم لتصبح بأسعار معقولة بعض الشيء على الرغم أنها لا تزال مرتفعة مقارنة بسعرها في الضفة المحتلة أو الكيان . " كيس الاسمنت بعد الحرب كان يباع ب"200"شيكل – ما يعادل "60" دولاراً – أما الآن فلا يتجاوز سعره "30" شيكل –ما يعادل "8" دولارات – " قال أبو أحمد . استمروا في عملهم حتى انطلق الأذان ، إنه أذان الظهر وكأنه الراحة الربانية بعد عمل شاق جعل من قطرات العرق على وجوههم كالندى الكثيف على أوراق الشجر غير أنها قطرات حارة تزيد وجوههم التهاباً كرغيف خبز قد أعيته نار الفرن احمراراً . مسرعين إلى صنبور مياه مغروز في زاوية أرض البناء ،توضئوا فكأن قطرات الماء التي سرعان ما تبخرت عن وجوههم الحارة كغيث عاجل سال من أعلى الوادي على زرع جفت أرضه وتشققت جنباتها عطشاً . إلى زاوية ظليلة تحت شجرة تقابل موقع العمل أووا ، وصلوا الظهر جماعة وتناولوا طعام الغذاء . غذاء وأي غذاء .. معلبات صغيرة سرعان ما التهمتها لقماتهم الضخمة التي تنبؤ بحق وصدق أن أكل الرجال على قدر أفعالها ، ارتاحوا قليلاً وعادوا للعمل كأنما جاؤوا للعمل تواً . حال هؤلاء كحال آلاف في غزة تعطلوا عن العمل وما توانوا بعدما أتيحت الفرصة لهم للعمل والإعمار عن العودة ليعملوا ويبنوا بأياديهم السمراء جنبات غزة التي تعرضت للحصار والحرب الذين أورثاها الدمار والخراب . قبل المغرب بلحظات رتبوا أغراضهم وعددهم وبخطوات متثاقلة وأجساد أنهكها تعب سائر النهار ووجوه أكلتها الشمس ركبوا سيارة المعلم أبو أحمد قافلين إلى بيوتهم ليستعدوا ليوم حافل بالعمل والإعمار صباح يوم جديد .