سأكتب مذكراتي في وطن يمشي حافي القدمين مشتتاً بين مطارات العالم, في الأمطار, وفي الوديان, وعلى التلال, حافي القدمين...... -"رادَّك الله يا أبو يزن, وشُوُ حَتْقُولْ في مذكراتك؟" - هي المذكرات بالذال ولا بالزِّينْ؟ - بالذال يا حبيبي! سأقول ما لم يقله قبلي أحد, أنا ابن البلد, "الملعون سَلْتَفِيِسِي" منذ جَدْ الجَدْ.... سأقول فيها باختصار, ما جرى ودار, فولدت في أجواء هزيمة نكراء, مسحت ما تبقى من كرامة على جبين الأمة, وترعرعت على "طحين وكالة الغوث, وملابسها البالية, شَوْقِي "للطُّعْمَة" –مساعدات غذائية وملابس تقدمها وكالة الغوث للاجئين- أكثر من شوقي لعِيِدْ "الفَالْنْتَايْن", فترة نسيان وضياع تَرَعْرَتُ فيها كما شَتلَةَ برية خرجت وحدها بقرب مياه الصرف الصحي التي تملأ المُخَيَّمَاتْ, وحينما بدأ الحلم يكبر, قامت الانتفاضة الأولى, فعشت بين الحجارة والمطاردة, وزرت السجون بكل نجومها من سالب 100 نجمة إلى سالب1000 نجمة. خرجت من السجن, وتزوجت ابنة العم, وأنجبت منها طابوراً من البنات والشباب, يعيشون في غرفتين, يحتاجون كل أسبوع لكيس طحين أو اثنين,ثم جاءت سلطة عوراء عرجاء, بدون حدود ولا نقود ولا جنود, تريد بناء دولة على ما تبقى من هزيمة, فأقاموا خابوراً كبيراً جلس عليه الشعب. وفي الربع الثالث من مذكراتي انتقلت لانتفاضة الأقصى وعاد الحجر إلى يدي أبنائي, كأنه وكيلٌ علينا, أو نصيبٌ لنا, يقول الحجر لابني" أتعلم أن أباك قد ألقى جدِّي قبل 13 عام, حِلُّوا عنا يا راجلْ؟!" وعدنا للحجر.... في الربع الأخير جاءت الانتخابات, وفاز الإسِلَامِيُّون والإسْلَامِيَّاتْ, وحَرَدَ الفتحاويون والفتحاويات, وانقسمت البلاد لعدة انقسامات, فبعد الحجر انقسمنا, وأنا الآن مقْسُومٌ من المنتصف, بشكل عمودي, فأولادي منهم حماس ومنهم فتح, ومنهم جهاد, ومنهم من أتباع "نبوخذ نصَّر".... عشت حصاراً شملني أنا وأبنائي وجيراني,- المستويات العليا الله أعلم- ثم عشت حرباً ضروس, تلتها أخرى أيضاً ضروس, وفي نهاية المطاف "إحْنَا إلِّي قَصَفْنَا تل أبيب"...ولا أزال أعيش!.