رغم حالة الهدوء النسبي الذي تشهده الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة بعد موجة الهجمات المسلحة في الفترة بين آذار/مارس وأيار/ومايو، وخروج معظم منفذيها من مدينة جنين، لكن المحافل الأمنية الإسرائيلية، خاصة بعد عملية الاقتحام الأخيرة في مدينة نابلس، باتت تسلط الضوء أكثر فأكثر على هذه المدينة التي تطلق عليها "عش الدبابير"، بزعم أنها تسير على خطى مدينة جنين من حيث توجيه العمليات الفدائية، في حين أن السلطة الفلسطينية تخشى مواجهة المسلحين فيها.
مع العلم أن الحوادث الأخيرة التي شهدتها نابلس تصفها أجهزة أمن الاحتلال بأنها "خطيرة"، وتثير قلقا كبيرا لدى المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، سواء الاشتباك المسلح العنيف الطويل نسبياً في حي القصبة بالمدينة، مما كشف عن وجود وسائل قتالية كثيرة، أو الخشية الإسرائيلية من فقدان السلطة الفلسطينية تدريجيا لقبضتها الأمنية على المدينة، كما حدث في جنين، التي أصبحت الآن "عاصمة المقاومة" في الأراضي الفلسطينية، وفق التوصيف الإسرائيلي.
يوني بن مناحيم الضابط الإسرائيلي السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، ذكر في مقاله على موقع "زمن إسرائيل"، أن "الأحداث العنيفة في نابلس تشهد على تزايد استخدام الأسلحة النارية ضد جيش الاحتلال والمستوطنين، وعلى خلفية التوتر الشديد في المدينة في الأيام الأخيرة، فقد ألغى الجيش دخول المستوطنين إلى قبر يوسف الذي كان مخططا له، مع العلم أن الشارع الفلسطيني يلقي باللوم على السلطة الفلسطينية فيما حدث عقب استشهاد اثنين من المسلحين مؤخرا بسبب تنسيقها الأمني مع إسرائيل، التي تتحضر وتستعد لعمليات إضافية في مدينة نابلس".
وأضاف أنه "مقابل تنامي المظاهر المسلحة ضد الجيش والمستوطنين، فإن نابلس وجنين تشهدان تدريجيا فقدانا لافتا للسيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية بسبب صراعات عشائرية طويلة وصعبة، كما ظهرت المزيد من المؤشرات على أن السلطة الفلسطينية تفقد حكمها، وهناك زيادة كبيرة في استخدام الأسلحة النارية في أحداث المواكب والنزاعات العشائرية وحفلات الزفاف والجنازات، ولا تكاد تتدخل السلطة، لأنها مشغولة بالبقاء على قيد الحياة، وحماية نفسها من محاولات حماس لزعزعة حكمها".
المستشرق بنحاس عنباري ذكر في مقاله بموقع "زمن إسرائيل"، أن "مدينة نابلس هي القصة الساخنة في المناطق الفلسطينية اليوم، لأنها باتت تتصدر الأخبار هذه الأيام، ولا تخفي حماس والجهاد الإسلامي نواياهما لنقل نموذج جنين إلى نابلس في ظل ما تملكانه من بنية تحتية من التعاون الثنائي، رغم أن السلطة الفلسطينية تبدي تصميمًا على عدم للسماح باستنساخ نموذج جنين إلى نابلس، رغم أن أفراد التنظيم التابع لحركة فتح يريد ذات الرغبة بنقل نموذج جنين الى نابلس".
تزعم الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أن التطورات الأخيرة في نابلس وجنين تدفع جيش الاحتلال للتفكير تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق في كل شمال الضفة الغربية لتفكيك البنية التحتية المسلحة بشكل نهائي، رغم أن المستوى السياسي الإسرائيلي قرر تفضيل أسلوب العمليات الدقيقة الموضعية في منطقتي جنين ونابلس، ضمن ما يسميها الجيش سياسة "جز العشب"، وهي سياسة ثبت فشلها على المدى البعيد، رغم أنها توقف الهجمات، وتحبطها، مؤقتاً، ليس أكثر.
على الصعيد الفلسطيني الداخلي، من الواضح أن ما تشهده بعض مدن الضفة الغربية من أحداث مسلحة داخلية، مجرد مثال صغير لما قد يحدث فيها في معركة الخلافة بعد تنحي أو غياب رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن عن المسرح السياسي، لأن هناك عشرات الآلاف من الأسلحة في مناطقها، ومشاهد تلك الاشتباكات تكتسب زخما ببطء، ومع مرور الوقت.