لن يكون خفض الجنيه المصري في آذار/ مارس الماضي أمام العملات الأجنبية 15% دفعة واحدة قبل أن يهوي إلى 20% هو الأخير، وفق توقعات خبراء اقتصاد ومحللين ماليين، خاصة مع تأخر مفاوضات القاهرة مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة مساعدات استثنائية جديدة، بعد أن تجاوزت حصتها عدة مرات.
وتتجه توقعات محللين وخبراء بالسوق، إلى أن يهوي الجنيه المصري إلى مستويات أعلى من الـ20 جنيه بشكل تدريجي أمام الدولار، وتراجع سعر الصرف في حدود 10% بعد أن انخفض إلى مستويات تاريخية في البنوك المحلية، ملامسا حاجز الـ19 جنيها.
في الوقت الذي تخوض فيه مصر محادثات بشأن حزمة مساعدات جديدة من صندوق النقد الدولي، التي انطلقت نهاية آذار/مارس الماضي، لمساعدتها خلال الأزمة الاقتصادية الحالية، حث الصندوق الحكومة المصرية على اتخاذ خطوات "حاسمة" بشأن الإصلاحات المالية والهيكلية.
وحذر الصندوق من أن مصر لا تزال عرضة للصدمات الخارجية بسبب عبء الديون المرتفع ومتطلبات التمويل الإجمالية الكبيرة، وقالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر؛ إن استمرار مرونة سعر الصرف عامل ضروري لاستيعاب الصدمات الخارجية، وحماية هوامش الأمان المالية في أثناء هذه الفترة من عدم اليقين
وأوضح المجلس التنفيذي للصندوق، أن هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد، وتحسين الحوكمة، وتعزيز قدرته على الصمود في مواجهة الصدمات، كما سيكون اتباع منهج حذر في السياستين المالية والنقدية أمرا ضروريا أيضا للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلّي.
وهبط الجنيه أمام الدولار إلى أدنى مستوى منذ نحو 6 سنوات منذ آذار/ مارس الماضي، وبلغ 18.97 جنيها في البنوك الرسمية، وتجاوز هذا الرقم في السوق الموازي، خاصة مع تراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 33.4 مليار دولار في نهاية حزيران/ يونيو من 35.5 مليار دولار في نهاية أيار/مايو، بحسب بيانات البنك المركزي.
المضاربة على سعر الصرف
وقال أحد المتعاملين في السوق الموازي، فضل عدم ذكر اسمه؛ إن "هناك بعض المضاربات على سعر الصرف؛ بدلا من الشراء من أجل الاستيراد أو سداد الرسوم أو السفر للخارج، أصبح البعض يراهن البعض على انخفاض جديد للجنيه، وحيازته بسعر اليوم من أجل البيع لاحقا".
وتوقع أن "يواجه الجنيه المزيد من الضغوط بسبب تزايد الطلب على الدولار، في كل يوم يقوم المركزي المصري بخفض الجنيه عدة قروش، هي مسألة مربحة لكثير من المضاربين بلا شك؛ من يشتري اليوم يكسب غدا وليس بعد غد"، على حد قوله.
ورجح محللون ماليون أن تتراوح قيمة القرض بين 5 إلى 20 مليار دولار لسد الفجوة التمويلية في ميزان المدفوعات وسداد مديونيات خارجية، وسد العجز في المعاملات الجارية التي تقدر بنحو 40 مليار دولار، لكن بحسب محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، فإن القرض لن يكون كبيرا؛ لأن مصر وصلت للحد الأقصى من الاقتراض.
وحصلت مصر على 7 أضعاف حصتها من صندوق النقد الدولي، وهذه هي المرة الثالثة لها خلال السنوات الـ6 الماضية، الأولى عام 2016 وحصلت على 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، والثاني عام 2020 مع بداية أزمة كورونا بقيمة 2.8 مليار دولار، والثالث عام 2021 بقيمة و5.2 مليار لمواجهة تداعيات جائحة "كورونا".
وفي غضون ذلك، ارتفع الدين الخارجي، لمستوى قياسي، حيث سجل 157.8 مليار دولار في نهاية آذار/ مارس الماضي، مقابل 145.5 في نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بنسبة ارتفاع 8.4%، وفق البنك الدولي.
إلى متى يتراجع الجنيه
توقع الخبير المصرفي شريف عثمان أن يواصل الجنيه انخفاضه أمام الدولار بشكل تدريجي، في ظل استمرار هبوط صافي الأصول الأجنبية في البنوك المحلية، وقال؛ إن "هناك علاقة مطردة بين انخفاض قيمة الجنيه وتراجع صافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي".
وأوضح: "استمرار انكشاف المراكز المالية للبنوك في مصر، يضغط بقوة على الجنيه دون شك؛ وتصبح الأزمة أكثر عمقا مع شح الدولار أو عدم وجود مصادر دولارية كافية تلبي طلبات السوق، وخاصة طلبات المستوردين والمستثمرين والبنوك".
وأشار الخبير المصرفي إلى أن "تواصل تراجع صافي الأصول الأجنبية يزيد الطلب بشكل قوي على الدولار لدى البنوك التي ترغب في إغلاق مراكزها المكشوفة، التي تزداد شهرا تلو الآخر وفق الأرقام الرسمية التي يعلنها البنك المركزي؛ ومن ثم سيظل الضغط على الجنيه قائما".
وأكد عثمان أن "قيمة هبوط الجنيه يتحكم بها البنك المركزي المصري، وليس سياسة العرض والطلب أو قوة الاقتصاد المصري، ولطالما اعتمد المركزي سياسة التعويم المدار؛ أي التعويم الجزئي بحيث هو من يحدد سعر صرف الجنيه، وهو من يقوم بتثبيته".
اختلاف أم خلاف
وتنظر مصر إلى القرض الجديد باعتباره طوق نجاة أو ما تقول إنه؛ يمنحها شهادة ثقة لجذب الاستثمار الأجنبي، رغم ما عانته من هذا النوع من الاستثمار وهروب المستثمرين من أدوات الدين بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية، ما كبد الاقتصاد المصري خسائر فادحة.
وقالت المستشارة الاقتصادية لرئيس الوزراء المصري، جيهان صالح؛ إن تطور مفاوضات مصر مع صندوق النقد ليست مشجعة، وقالت في تصريحات متلفزة؛ إن المحادثات الفنية لا تزال جارية، لكن كلا الجانبين لديه وجهات نظر مختلفة.
وفي الوقت الذي يدفع فيه الصندوق مصر نحو تحقيق المزيد من الإصلاحات المالية والاقتصادية، هاجم إعلاميون محسوبون على النظام شروط الصندوق، ووصف البعض المطالب المتعلقة بإلغاء الدعم ومرونة أكبر في سعر الصرف، بأنها تعني "خراب البلد".
وهاجم الإعلامي مصطفى بكري الموالي للنظام الصندوق؛ لأنه يريد "إبعاد القوات المسلحة عن التنمية، وإقرار مرونة في سعر الصرف، وإلغاء الدعم نهائيا، يعني عايزين البلد تخرب، عشان كده بنسميه النكد الدولي، والرئيس السيسي مش ممكن يستجيب لهذه الشروط، لذلك تحدث عن معايير الصندوق في ألمانيا"، على حد زعمه.