تعبر الأوساط الإسرائيلية عن عدم رضاها عن الاتفاق النووي الذي تتسارع فيه الخطى الإيرانية والدولية لإنجازه، بل إنها تبعث برسائل ميدانية عملياتية للإعراب عن رفضها له، وإمكانية عرقلة تنفيذه، من خلال الاستمرار في استهداف العلماء النوويين والخبراء العسكريين الإيرانيين في قلب طهران.
ولا تدرك المحافل الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية، هل ستبقى هذه الشخصيات الإيرانية في مرمى نيرانها أم سيوضع فيتو أمريكي على استهدافها من أجل عدم عرقلة تنفيذ الاتفاق، رغم أن عمليات الاغتيال والتصفية التي ينفذها عملاء الموساد في إيران لا يتركون بصمات خلفهم.
كما لا يعترف الإسرائيليون بهذه العمليات إلا نادرا، مما يفسح المجال لتواصلها، ولو على نطاق ضيق، كي لا تتسبب بأزمة في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية.
وأجرى معهد القدس للشئون العامة والدولة الإسرائيلي استطلاعا بين عدد من كبار المسئولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين السابقين، لشرح كيفية تنفيذ عمليات الاغتيال في إيران، سواء التي ينفذها من يستقلون الدراجات النارية، أو المسلحين بمسدسات كاتمة للصوت، لكنهم يختفون فور الاغتيال، مما يعني أن كل واحدة من عمليات الاغتيال يتم إعدادها بصورة مختلفة، كي تكون استمرارا لحروب الظلال الطويلة بين إسرائيل وإيران.
وقال مؤلف كتاب "الحروب الضائعة" وخريج كلية الأمن القومي، يعقوب كادمي، إن "استخدام الدراجات النارية في الاغتيالات داخل إيران تعتبر من أفضل طرق الموساد للتخلص من أهدافه، حيث يصعب التعرف على هذه الدراجات النارية في المناطق الحضرية".
وأشار إلى أنه مقارنة بالمركبات التي تتمتع بميزة بارزة، كما أنها تغادر المشهد بسرعة، ودون ضرورة للتوقف في الاختناقات المرورية، ويمكنها المرور عبر مناطق ضيقة حيث لا تستطيع المركبات، ولعل أهم شيء أنها سهلة الإخفاء بعد إقصائها عند نقطة هروب محددة سلفا، والهروب من هناك بالسيارة، أو بطريقة أخرى، على حد تعبيره.
أما رجل الموساد السابق، يائير رافيد فقد زعم أن "تحديد شخصية إيرانية ما للاغتيال لا يتم عادة لتنفيذ أهداف انتقامية، بل في حال كان "خطرا" من وجهة نظر إسرائيل، فضلا عن مشاركاته السابقة في أنشطة معادية، وتنفيذ هجمات ضد مواقع إسرائيلية، بما فيها شن هجمات على الحدود السورية الإسرائيلية.
كما زعم الجنرال يوسي كوبرفاسر، الرئيس الأسبق لشعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، أن بعض الاغتيالات الإسرائيلية في إيران تستهدف شخصيات غير معروفة، لأن معظمهم ليسوا مثل قاسم سليماني المعروف لكل إيراني، لكنهم بالتأكيد كانوا هدفا للاغتيال، سواء بسبب نشاطهم النووي أو مشاركتهم في أنشطة عسكرية تابعة للحرس الثوري".
واستدرك بالقول إن "الاغتيال إجراء معقد تستعد له المخابرات فترة طويلة، وقد يستغرق التخطيط له عدة أشهر، وتشمل العديد من المشاركين".
وأضاف أن "عملية الاغتيال لها عدة معاني مباشرة، فخلافا لحقيقة أن المسؤولين الإيرانيين يجب أن يكونوا أكثر قلقًا بشأن أمنهم الشخصي، فإن الاغتيال يجلب معه مشاعر قاسية في القيادة الإيرانية العليا، وإحباطًا وإحراجًا لا تستطيع الدفاع عنه، وصحيح أنها تحاول الرد على إسرائيل، لكنها بالكاد تنجح تقريبًا، ومع ذلك فإن الخطر الإيراني لم يمر بعد".
وختم بالقول إن "إيران تحاول باستمرار ضرب إسرائيل، لكن حقيقة أنها لم تنجح حتى الآن في معظم محاولاتها، لا يعني أن الإيرانيين ليسوا خطرين، وفي الوقت نفسه فإن القضاء على واحد أو اثنين من كبار ضباطها وعلمائها لا يغير من حقيقة الصورة التي يحملها هذا التهديد، بل يترك الوضع على ما هو عليه من القلق والترقب".
لا تحتاج دولة الاحتلال لإصدار بيان رسمي لتبني المسؤولية عن اغتيال الضباط والعلماء الإيرانيين، رغم أن مثل هذه العمليات تشكّل أخبارًا عاجلة لدى معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، بوصفها "إنجازا" لجهاز الموساد الذي دأب على تنفيذ عملياته في الاغتيال والتصفية تحت ساتر من التعتيم والغموض.
وفي الوقت ذاته، يمكن اعتبار عمليات الاغتيالات الإسرائيلية في قلب طهران، حتى دون إعلان المسؤولية الرسمية عنها، جزءًا لما ينفذه الجيش الإسرائيلي من استراتيجية "المعركة بين الحروب"، التي تشمل استهداف القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، والضباط الذين يدربون الجيش السوري وحزب الله في حيازة أسلحة دقيقة، أو المساهمة في تشكيل جبهة مناهضة لإسرائيل في سوريا بالتعاون مع المجموعات المسلحة الموالية لإيران.