لم يكن أمام الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي سوى العودة لخطواتهم الاحتجاجية في محاولة انتزاع حقوقهم من إدارة السجون، التي تنصلت من تفاهمات بينها وبين الأسرى قبل خمسة أشهر، لتكون أولى الخطوات التحذيرية للأسرى امتناعهم عن الخروج إلى "الفحص الأمني" وإرجاع وجبات عن الطعام.
وامتنع أكثر من 4500 أسير في كافة سجون الاحتلال، ومن كافة الفصائل، اليوم الإثنين، عن الخروج إلى ما يُسمى "بالفحص الأمني" كخطوة عصيان على قوانين إدارة السّجن، وإلى جانب هذه الخطوة أرجعوا وجبات الطعام، وستكون هذه الخطوات اليوم الإثنين وبعد غد الأربعاء، وتنتهي في حد أقصاه أسبوعين بإضراب عن الطعام، تشارك فيه كافة الفصائل.
هذه الخطوة الجديدة اختارها الأسرى في سياق المواجهة لتحقيق حقوقهم، وفق خطوات "تكتيكية"، حيث يؤكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين اللواء قدري أبو بكر لـ"القدس"دوت كوم، أن الهدف من هذه الخطوة هي رسالة تحذيرية لإدارة السجون، بأن الأسرى سينفذون خطوات قادمة، في حال لم يتم تدارك الأوضاع، وهي بمثابة خطوة يؤكد الأسرى من خلالها تمردهم على إدارة سجون الاحتلال وقوانينها.
ويشدد أبو بكر على أن هذه الخطوة، قد تقود للإضراب المفتوح عن الطعام، مطلع الشهر المقبل، وإن الجميع في الخارج سيساندون الأسرى بخطواتهم، ولن يتم تركهم وحدهم في هذه المواجهة.
رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس أكد لـ"القدس"دوت كوم، أن الامتناع عن الخروج لـ"الفحص الأمني"، تعدها إدارة سجون الاحتلال من الكبائر والخطوط الحمر، فيما يشير فارس إلى أن خطوة الأسرى بالامتناع عن الخروج إلى "الفحص الأمني" تعده إدارة السجون تمردًا على قوانينها، ما ستفجر الأوضاع داخل السجون وخارجها.
كما أكد الأسير المحرر ماهر الأخرس، أن هذه الخطوة تمثل تحديًا كبيرًا، وقد لا تصمد إدارة سجون الاحتلال كثيرًا أمامها، "لذا فإن قمع الأسرى بعد أيام أمر وارد، ما يضع إدارة السجون أمام تداعيات أمنية، لكن الأسرى يدركون أهمية الخطوة بالضغط على إدارة السجون".
عملية "الفحص الأمني" للأسرى تستغرق نصف دقيقة، أما الآن فإن ذلك الإجراء سوف يتغرق وقتًا أطول، بتكثيف العناصر الأمنية لتنفيذ ذلك الإجراء، ووفق فارس، فإن امتناع الأسرى عن ذلك، قد تقابله إدارة السجون بالقمع، وهو ما قد يقود إلى المواجهة على مصراعيها.
ويؤكد فارس على أنه يجب التنبه إلى أن من بادر بتوتير الأوضاع هي "إدارة مصلحة سجون الاحتلال" والجهات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، بعد التنصل من تفاهمات مع الأسرى في 25 مارس\ آذار 2022، عقب خطوات تصعيدية للأسرى رفضًا لمحاولات تنفيذ توصيات للجنة أمنية تحمل طابع أمني بفرض إجراءات بحق الأسرى عقب عملية "نفق الحرية"، والتي كادت أن تقوض الحياة الاجتماعية للأسرى بينها تنقيل الأسرى وعدم استقرارهم، وفي الخامس من الشهر المقبل، تحاول إدارة سجون الاحتلال العودة إلى تنفيذ تلك التوصيات، ما دفع الأسرى إلى الشروع بخطواتهم.
ووفق فارس، فإن إدارة السجون تدرك أن التزامها بالأمور المتعلقة بالأمور الحياتية للأسرى تأتي في مقابل التزام الأسرى ببعض الإجراءات، وهو ما يجب أن تفهمه إدارة السجون، لكن محاولة إدارة السجون تنفيذ تلك الإجراءات بالقوة قد يقود إلى المواجهة، وبالتالي يشكل ذلك خطرًا حقيقيًا على الأسرى.
ويتابع، "أن ما يجري يضع إدارة السجون إما بالدخول فوراً بحوار مع الأسرى، أو التعنت وسيذهب الأسرى إلى الاصطدام وبالنهاية خوض إضراب مفتوح عن الطعام".
في حال وقعت المواجهة بين الأسرى وإدارة سجون الاحتلال، فإن ذلك كما تؤكده مؤسسات الأسرى، يتطلب التحضير لبرنامج وخطوات تدعم وتساند الأسرى، في خطواتهم، خاصة مع التحذيرات بإمكانية قمع الأسرى أو فرض إجراءات عقابية بحقهم.
من جانبه، يؤكد رئيس الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمحررين أمين شومان، في حديث لـ"القدس"دوت كوم، "نحن نتحضر لبرنامج وطني سيتم الإعلان عنه، للوقوف إلى جانب الحركة الأسيرة ضد الإجراءات المتواصلة بحقهم، وقد تصل تلك الفعاليات إلى تنفيذ مسيرات جماهيرية، بحسب مستوى التصعيد والحدث داخل السجون".
ووفق شومان، فإن خطوات الحركة الأسيرة تشكل قضية مفصلية بالنسبة للأسرى، بعد انقلاب إدارة السجون وتنصلها بكل ما تم الاتفاق عليه، كما أنها مهمة لأنها تأتي في ظل وحدة تجري لأول مرة بما يسمى "لجنة الطوارئ العليا" والتي تمثل كل الأسرى من كافة الفصائل.
وينوه شومان إلى أهمية خطوة الامتناع عن الخروج إلى "الفحص الأمني" والتي تأتي في سياق رفض الأسرى التعاطي مع قوانين إدارة سجون الاحتلال، "حيث إن هذا الخطوات ستفجر الأوضاع داخل وخارج السجون".
من جانبه، يشدد الأسير المحرر ماهر الأخرس على أنه وبحسب ما يجري داخل السجون، فإنه يتطلب دعم الأسرى، إما بتنفيذ وقفات أو تظاهرات شعبية، وهذا ما لا يريده الاحتلال، بعود الحراك إلى الساحة الفلسطينية، فيما يؤكد الأخرس على أن الأسرى وأمام إجراءات الاحتلال سيحققون مطالبهم بالوحدة الوطنية التي تشهد هذه الأيام حالة غير مسبوقة في صفوف الأسرى.
يتم الفحص الأمني للأسرى 3 مرات يوميًا، وفق ما يؤكد الأسير المحرر محمد التاج لـ"القدس"دوت كوم، مشيرًا إلى أن الإجراء في كل عملية فحص أمني يطلب فيها من الأسرى الخروج من كل غرفة يجري تفتيشها وتفحصها، بحيث يتم فحص الغرف والحمامات وكافة المرافق، ويشمل الفحص الدق على النوافذ والأرضيات، والجداران، وتحت الأسرّة لمحاولة اكتشاف أي خلل قد يحدث.
وعادة ما يدخل عنصر أمني واحد للاحتلال أو اثنين وربما 3 عناصر، لكن امتناع الأسرى عن الخروج إلى "الفحص الأمني"، قد تواجهه إدارة السجون إما بتكثيف عناصرها الأمنية والدخول للغرف، وربما بالقمع، بحسب السجون، وهو أمر يشكل عصياناً لقوانين إدارة السجون، ومن الممكن أن يخلق مواجهة معها، وفق التاج، الذي يحذر من قيام مصلحة السجون بقمع الأسرى.
ووفق التاج، فإنه في الغالب لا تتم أية احتكاكات بين الأسرى وعناصر أمن الاحتلال، مؤكدًا أن الأسرى اختاروا الرد على إدارة السجون بطريقة "تكتيكية"، يسيرون بها لضرب حرص الاحتلال على أمنه.
في حين، يوضح الأسير المحرر عبد الفتاح دولة، في حديث لـ"القدس"دوت كوم، أن "الفحص الأمني" يتم بأعداد قليلة من عناصرها بعد خروج الأسرى من غرفتهم، لكن عدم خروج الأسرى ينهك إدارة مصلحة السجون بأعداد أكثر تستنزفها، وقد يحدث قمع وإجراءات كذلك، لكن ذلك لا يقلل من أهمية حالة العصيان التي ينفذها الأسرى.
الأسرى اتخذوا قرارًا متقدمًا من المواجهة، بحسب الأسير المحرر عبد الفتاح دولة، بالعصيان على إدارة السجون والنظام الاداري اليومي لها، في جزء مهم من عملها الأمني مع الأسرى بعدم الخروج على "الفحص الأمني"، وهي خطوة "تكتيكية" حينما قرر الأسرى خوضها، لكنهم أبقوا على إجراء الوقوف على العدد.
ولا يرجح دولة أن تقوم إدارة مصلحة السجون بخطوات عدائية تجاه الأسرى، لكنه يؤكد أن يتم فرض إجراءات عقابية عليهم كمنعهم من الزيارة وفرض غرامات عليهم، لكن ورغم ذلك فإن إدارة السجون ستفقد السيطرة على تنظيم الحالة الأمنية للأسرى والتي يعملون عليها داخل السجون، وسيفكرون كيفية التعاطي مع مطالب الأسرى، كما أن الأسرى يدرون أن تلك العقوبات ستزول في حال إبرام أي اتفاق.
يشار إلى أن لجنة الطوارئ العليا، التي شكّلها الأسرى من كافة الفصائل منذ الهجمة المضاعفة التي حاولت إدارة السّجون فرضها بعد عملية "نفق الحرية"، قد قررت الأسبوع الماضي، تفعيل دورها واستئناف خطواتها، وذلك بعد أن تنصلت إدارة السّجون من جملة "التفاهمات" التي تمت في شهر مارس\ آذار الماضي، وبعد أن أبلغت الأسرى في عدد من السّجون أنها ستبدأ بفرض إجراءات التضييق على المؤبدات من خلال عمليات النقل المتكررة من الغرف، والأقسام، والسّجون التي يقبعون فيها.
ويبلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال نحو (4550)، من بينهم (31) أسيرة، و(175) قاصراً، وأكثر من (700) معتقلا إداريًا.