يصر قادة الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ عمليات دقيقة وشاملة وسريعة وعميقة في أنحاء الضفة الغربية والقدس؛ تستهدف البنية التحتية العسكرية والمالية والاقتصادية والتعبوية والجماهيرية والنقابية والاجتماعية للفصائل الفلسطينية، حتى تبقى الضفة الغربية تحت السيطرة الأمنية ويتبدد الخوف الاستراتيجي على مسار المقاومة فيها، فيذهب الاحتلال بعيدا في عنفه ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم.
وفي تسجيل أبرز الأحداث مؤخرا في الضفة الغربية هناك تصاعد واضح وتصعيد في نهج المقاومة التي كان الاحتلال يخافها واقعا في الضفة، فبعد الحجر والسكين والدهس والمواجهات الواسعة تطور الأمر إلى بؤر عسكرية مقاومة ومسلحين منظمين في تلك البؤر، ما استدعى تدخل وحدات "السيرت متكال" و"اليمام" وغيرها واستخدام صواريخ في محاصرة المنازل وتنفيذ الاغتيالات، وكان ذلك في إطار ما يسمى "كاسر الأمواج" وقص العشب وغيرها، والنتيجة كانت خطيرة في الميزان الأمني الإسرائيلي على عدة صعد أبرزها:
* تطور كبير في عمليات المقاومة في الضفة الغربية؛ فبعد أن كانت دفاعا باتت هجوما كما حدث مع رعد حازم وضياء حمارشة واغبارية وأبو القيعان وصبيحات والرفاعي ومرعي وعاصي، وهذا مؤشر خطير على الساحة الأمنية التي صرف الاحتلال مليارات الدولارات لجعلها هادئة ويستغلها في غلغلة مشاريع استيطانه.
* توسع رقعة المواجهات العسكرية التي كانت محدودة في جنين؛ فتوسعت أكثر إلى قرى وأحياء جنين وبعدها إلى نابلس وبلدتها القديمة وبلاطة ومن ثم قباطية وصولا إلى رام الله حيث سلواد التي أفسدت عليهم نظريتهم الأمنية.
* ازدياد واضح في تعلق الجماهير بالشهداء ووصاياهم والقرب من أهاليهم على الرغم من الخطورة الأمنية التي سيتعرضون لها، وهذا يقودنا إلى أن الحاضنة الشعبية لا يمكن أن تقوى إلا بجسر المقاومة الممتد من غزة إلى الضفة والقدس عبر سيف وحد جغرافيا ٧٤ عاما من الاحتلال والتمزيق ومحاولة الصهر والترويض.
* إضافة نوعية تستثمرها المقاومة المركزية في غزة وتعطيها نفسا في التجهيزات والإعداد وإبقاء الديمومة ورد الفعل الفلسطيني على جريمة الاحتلال المتواصلة في القدس وأنحاء فلسطين.
* تحقق الخوف الذي لطالما حذر الاحتلال من وقوعه، وهو الاستهداف المباشر للمستوطنين في الضفة الغربية، حيث أن مشاريع حكومات الاحتلال المتعاقبة مبنية على الحلم اليهودي في فلسطين "دولة لشعب الله المختار وأرض للميعاد وأداة للدول التي ترسخ مفهومهم"، فكانت كل اتفاقيات التطبيع والتدجين والتنسيق محاولة فاشلة لمنع هذا الخوف الذي يهدد الوجود ويبقي حالة التوتر قائمة، فاليوم بات المستوطن أكثر استهدافا بالمقارنة مع السنوات السابقة، فالحجارة والرصاص والحرق في مواجهته.
* تأجيل لمخططات مبنية على مرحلة إخماد الضفة، فبما أن الضفة الغربية الآن مشتعلة جدا فهذا يعني أن مخططات مرتبة سيتم تأجيلها أو حتى ستصل إلى مرحلة الإلغاء خوفا من عدم تقدير سليم للموقف الميداني كمشاريع الاستيطان أو حرب مفاجئة على غزة أو استفراد بالأسرى أو عبث بمشهد المسجد الأقصى المبارك القائم.
في محصلة الأحداث وبعد أن استنزف لشهور طويلة طاقم الاحتلال الأمني والعسكري والسياسي في الضفة الغربية كانت النتيجة تصاعدا كبيرا وتوسعا أكثر في المقاومة وجمهور الحاضنة الشعبية وزيادة المقاومين رغم وجود عقوبات جماعية من هدم للمنازل واحتجاز لجثامين المقاومين وغيرها من الإجراءات الرادعة والترهيب، كل هذا يعطي إشارة عكس الهدف؛ فالخوف بات واقعا لا يستطيع الاحتلال التعامل معه زمانيا ومكانيا، ما يعني من جديد أن زمام المبادرة بيد شعب عزز خوف محتله وصفع خطته، وهذا يقودنا إلى محطة مهمة في الساحة الفلسطينية ستفعّل فيها الفصائل الطرق الأنجع لمأسسة وتنظيم المشهد وقطف ثمار تخدم الهدف لا تبدد خوف المحتل.