بعد الكشف العسكري الإسرائيلي في الأيام الأخيرة عن استخدام الطائرات المسيّرة في تنفيذ هجمات على دول مختلفة من المنطقة، ظهرت دعوات إسرائيلية لإغلاق الرقابة العسكرية بزعم أنها حرمت وسائل الإعلام الإسرائيلية من واحدة من أهم القصص الصحفية في السنوات العشرين الماضية.
مع العلم أن استخدام الاحتلال لهذا النوع من الطائرات القاتلة بدأ منذ عقود، لكنه دأب على الإنكار انتهاجا لسياسة التعتيم، وكان أكثر من اكتوى بنار هذه المسيّرات الإسرائيلية هم الفلسطينيون في قطاع غزة الذين عاشوا على جولات الحرب بين عام وآخر، واعتادوا على سماع أزيز هذه الطائرات تحوم فوق رؤوسهم تنشر الموت، وقد أسموها "زنانة"، ومع مرور الوقت أصبحت جزءًا لا يتجزأ من روتين الحياة اللاإنسانية في غزة.
المحامي الحقوقي إيتاي ماك الذي يتابع فضح صفقات الأسلحة الإسرائيلية كشف في مقال على موقع "العين السابغة" أن "الرقابة العسكرية دأبت على إنكار أي صلة للاحتلال بهذه الطائرات القاتلة، مع أنه اقتناها منذ منتصف السبعينيات بزعم تأمين حدوده، وتقليل مخاطر وقوع هجوم مفاجئ، وفي 1982 استخدمها لتدمير المواقع العسكرية السورية في لبنان، ومع مرور الوقت أصبح الاحتلال يصدر هذه التقنية الدموية للولايات المتحدة وسويسرا وسنغافورة، حيث تتمثل مزاياها بانخفاض تكلفتها، وسهولة تشغيلها، وتدريبها".
وأضاف أن "هذه الطائرات أصبحت في نهاية العقد الأول من القرن الـ21 أكثر منتجات التصدير المربحة للصناعات العسكرية الإسرائيلية، وقفزت أرباحها إلى متوسط سنوي لا يقل عن 7 مليارات دولار ابتداءً من 2008، وفي نهاية العقد الثاني، ورغم منافسة تركيا والصين وروسيا لكن الصناعة الإسرائيلية لهذه الطائرات لا زالت رئيسية في العالم، لا سيما مع أذربيجان، شريكها الاستراتيجي في مجال النفط ومحاربة إيران".
وأشار إلى أن "إسرائيل تواظب على صفقات السلاح مع أذربيجان رغم أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا حظرت في 1992 على دولها تصدير الأسلحة لأذربيجان، كما أن الصادرات الأمنية الأمريكية لها محدودة للغاية بسبب دكتاتوريتها، والخشية من استخدامها ضد أرمينيا في إقليم ناغورنو كاراباخ، وقد كشفت مشاهد القتال في 2021 عن هذه الطائرات الإسرائيلية، ورغم كل ذلك فإن إسرائيل اتبعت سياسة الغموض لاعتبارات استراتيجية وأمنية وسياسية، ولا تقدم تفاصيل حول سياسة الرقابة".
وأوضح أنه "بينما لم يُسمح للصحفيين الإسرائيليين بكتابة تقارير عن استخدام طائرات بدون طيار هجومية، فقد واصل الجيش استخدام نشاطه العملياتي المتضمن لهذه الطائرات كأداة تسويق مركزية لصناعاته العسكرية لعملائه في الخارج، وفي معارض الأسلحة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعل الاستمرار في إنكار حيازتها انتهاكًا لحق الجمهور في المعرفة والشفافية، فضلا عن تغييب لإجراء مناقشة عامة وقانونية لاستخدام الجيش المكثف لهذه الطائرات في غزة وأماكن أخرى، مما يجعل إصبع الطيار الإسرائيلي سهلًا على الزناد".
وأضاف أنه "بسبب سياسة التستر والغموض والرقابة، فقد أبدت إسرائيل استعدادها للتضليل في عملية قانونية ردا على تقديم نشطاء حقوقيين التماسا للمحكمة المركزية في تل أبيب يطالبون بالكشف عن هجمات الجيش الإسرائيلي، الذي رفض الكشف عنها بزعم الخشية من إلحاق الضرر بأمن الدولة وعلاقاتها الخارجية، رغم أن هذا الموضوع أثار اهتمام العديد من الصحفيين الإسرائيليين مثل عميرة هاس ويوسي ميلمان وغيلي كوهين وعامي روهاكس - دومبا وإيتاي إنغل".
وأشار إلى أنه "رغم قرار الرقابة العسكرية مؤخرا برفع الرقابة على استخدام الجيش للطائرات المسيرة الهجومية، لكنها لا تزال قائمة بشكل سخيف فيما يتعلق بتصديرها إلى دول أجنبية، ورغم أنه يمكن للصحفيين الإسرائيليين الاقتباس من المطبوعات الأجنبية، لكنهم يجدون صعوبة في نشر معلومات مباشرة من مصادر إسرائيلية، مما يخلّ بمسؤولية الصحفيين أمام الجمهور، مما يجعل أهم درس مستفاد من هذه القضية هو الحاجة الدائمة للتشكيك في مصداقية اعتبارات الرقابة العسكرية، بل التشكيك في شرعية وجودها، والعمل معها، مما يستدعي إغلاقها، ودفنها في القبر، وكلما كان أسرع، كان ذلك أفضل".