يدور الحديث عن إنشاء منطقة صناعية جنوب قطاع غزة ضمن نفوذ بلدية رفح، وعن اجتماعات وزيارات تقوم بها بلدية رفح وهيئة تشجيع الاستثمار من أجل تسويق هذه المنطقة الصناعية، حيث تعتبر هذه الخطوة هامة في إطار تطوير القطاع الصناعي من جهة، وكذلك توفير فرص عمل من جهة أخرى، حيث يتوفر في المنطقة الصناعية البنى التحتية مثل الطرق، التيار الكهربائي، وغيرها من الخدمات التي يصعب توفيرها للصناعات عندما تكون منتشرة بين الأحياء السكنية، وربما اختيار مكان المنطقة الصناعية في جنوب قطاع غزة مهم نظراً لوجود مساحات واسعة من الأرض بعيدة عن السكان، وتوفر الأيدي العاملة وقرب هذه المنطقة من معبر كرم أبوسالم التجاري، وإنشاء هذه المنطقة الصناعية يحدث توازن في توزيع هذه المناطق والمدن في قطاع غزة.
ويظل معبر كرم أبوسالم هو المصدر الوحيد لتوريد المواد الخام للمناطق الصناعية في غزة سواء كارني أو المنطقة الصناعية في رفح، ولا أعتقد أنه في المنظور القريب سيتم إدخال مواد خام من خلال معبر رفح التجاري، لكن لا أستبعد أن يتم طرح هذا الموضوع من خلال لجنة إدارة العمل الحكومي في غزة والأشقاء في مصر.
ولكن ما زالت السلع المصنعة في المناطق الصناعية يتم داخلياً في قطاع غزة، ولا تسمح دولة الاحتلال بتصدير سوى السلع الزراعية، وبعض منتجات المنسوجات والأثاث، وحوالي 60% من هذه السلع يتم تسويقها في الضفة الغربية، وفي إطار التفاهمات الأخيرة في أعقاب عدوان مايو 2021 فيما يسمى بالتسهيلات الاقتصادية اتخذت "إسرائيل" قرار بالموافقة على تصدير المنتجات المصنعة في قطاع غزة إلى الضفة الغربية، كما يشمل القرار إزالة المنع عن نقل المنتجات السائلة كالمعلبات والعصائر وغيرها...، وهناك عدد من المصانع تمتلك شهادات الجودة المطلوبة للتصدير تقدمت بطلبات رسمية إلى اللجنة الرئاسية لإدخال البضائع إلى قطاع غزة، وتعمل السلطة الفلسطينية حالياً على إتمام القضايا الفنية مع الجانب "الإسرائيلي" بمتابعة من الاتحاد الأوربي.
أرى أن هناك فرص كثيرة لنجاح هذه المنطقة الصناعية لأنها تمثل منطقة جذب للمستثمرين وأصحاب الصناعات المحلية بما يتوفر فيها من خدمات، وقربها من معبر كرم أبوسالم، وكذلك إمكانية دعم هذه المنطقة الصناعية من قبل المؤسسات الدولية وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي، ولكن أبرز المعيقات التي يمكن أن تقف حائلاً أمام فرص النجاح هي توفر المواد الخام دون إنقطاع، وكذلك توفر التيار الكهربائي، حيث يمثل ذلك تحدياً كبيراً في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة في قطاع غزة وخضوع المعابر لمزاج المنسق "الإسرائيلي" وربط التسهيلات الاقتصادية في غزة بالوضع الأمني واستمرار الهدوء، ويضاف إلى ذلك تحدي تصدير منتجات المناطق الصناعية إلى خارج قطاع غزة، فلو توفر ما سبق دون وجود خطة تسويق خارجية واضحة لهذه المنتجات فستكون فرص نجاح المنطقة الصناعية ضئيلة جداً.
من خلال زيارتي للمنطقة الصناعية كارني أجد أنها تمثل بارقة أمل للصناعات الفلسطينية وخاصة الغذائية مثل الألبان والعصائر والتي تمتلك شهادات جودة تؤهلها لتصدير منتجاتها للخارج، ولكن ما زالت المصانع هناك لا تعمل بطاقتها الإنتاجية الكاملة، كما أن نسبة إشغال المنطقة الصناعية متدنية بسبب الخوف من الاستثمار في ظل الوضع الأمني غير المستقر على الرغم من وجود تسهيلات تقوم بها الحكومة في غزة وكذلك توفر دعم للمناطق الصناعية من قبل الاتحاد الأوروبي، وكذلك نظراً بسبب نقل المعبر التجاري من كارني القريب إلى كرم أبوسالم جنوب قطاع غزة.
خلاصة القول أن عوامل نجاح المناطق الصناعية يتوقف على تسهيل دخول المواد الخام، والمعدات المطلوبة، وتسهيل الحصول على التراخيص ووجود حوافز استثمارية، وأخيرا تيسير تصدير السلع المصنعة في غزة إلى الأراضي الفلسطينية والخارج دون شروط أو قيود، في هذه الحالة سيساهم تشغيل المناطق الصناعية في قطاع غزة في توفير آلاف فرص العمل، ودافعاً للكثير من المستثمرين الفلسطينيين والعرب بالاستثمار في قطاع غزة، وبالتالي نجاح خطط التنمية الاقتصادية المحلية.