سبعة عشر عاما مرت على الاندحار الإسرائيلي من قطاع غزة، اندحار جاء على وقع ضربات نفذتها المقاومة على مدار السنوات احتلال القطاع، ولكن أشدها وقعا كانت تلك التي كانت في انتفاضة الأقصى، فقد سئم الاحتلال الكلفة الكبيرة التي دفعها في سنين خمسة هي سنين انطلاقة الانتفاضة.
ففي مثل هذه الأيام من عام 2005، بدأت "إسرائيل" إخلاء مستوطناتها من قطاع غزة، في حدث تاريخي، حيث لم يسبق لها أن أخلت أرضا تستولي عليها منذ احتلالها فلسطين التاريخية عام 1948.
17 عامًا مرت على إخلاء "إسرائيل" 21 مستوطنة كانت تحتل نحو 35% من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومترا مربعا.
خرج آلاف الفلسطينيين في ذلك الوقت ابتهاجًا وأملاً في حياة أفضل، بعد 38 عامًا من احتلال القطاع الساحلي الصغير، بدأ مع هزيمة يونيو/حزيران 1967.
سر الانسحاب
كشف وسائل إعلام عبرية، في الذكرى الخامسة عشر للاندحار الإسرائيلي من غزة، عن السر الرئيسي في اتخاذ شارون قراراً بالرحيل عن قطاع غزة.
وقالت قناة "كان" العبرية، أن قطاع غزة وصف بـ"الصداع الأمني" البالغ، خاصة وأن وجود وتأمينه كان يمثل مشكلة للإسرائيليين، لأنه يقطن فيه حوال 2 مليون نسمة في مساحة من الأرض قليلة جدا ما يجعل عملية تأمينها بالكامل شبه مستحيلة.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية قناة "كان" العبرية، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة عشر للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، أن سبب هزيمة شارون وانسحابه من القطاع، هو عملية "نتساريم" التي قتل فيها 3 جنود إسرائيليين، واعتبرتها القناة "القشة التي قصمت ظهر البعير".
وأفادت القناة العبرية بأن الجنرال آفي ديختر، رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، خلال فترة شارون، قد أعلن، فجأة، عن انسحاب بلاده من قطاع غزة، في جلسة خاصة أو مغلقة بمركز هرتزليا متعدد الأغراض.
خمس عجاف
وخلال السنوات الخمسة التي استمرت الانتفاضة فيها بقطاع غزة؛ نفذت المقاومة 68 عملية ما بين إطلاق نار وتفجير آليات واقتحام للمغتصبات، أدت إلى قتل 135 صهيونيًا، بينهم 106 من الجنود والضباط، و29 مستوطنًا، بينما أصيب العشرات منهم بجراح.
عام 2004م وحده، وهو العام الذي سبق الاندحار عن غزة، شهد أعلى نسبة لعدد القتلى في صفوف جنود الاحتلال، إذ قُتل فيه 46 جنديًا، ما جعل وجود الاحتلال في غزة وقربه مكانيًا من المقاومة الفلسطينية أمرًا مستحيلاً.
وأصبحت 25 مغتصبة جاثمة على أرض القطاع أثرًا بعد عين عقب الاندحار عنها بفعل ضربات المقاومة، ولطالما كانت كالغدد السرطانية تجزئ محافظات القطاع ومناطقه وتشل تحركات أهله وتنقلاتهم.
ورغم استهداف الاحتلال لحركة حماس وقادتها منذ نشأتها إلا أنها قادت المقاومة نحو الطريق الصحيح، وباتت حامية لها، وشكلت سدًا منيعًا أمام كل محاولات سحب سلاحها واستئصالها التي كانت تمارسها السلطة الفلسطينية وأعوانها.
وبات الاندحار عن غزة نقطة تحول كبيرة في تطور أداء المقاومة وسلاحها، واتساع معركتها مع العدو، حتى أضحت تبدع في معركة تلو الأخرى، وظل الشعب ظهرًا حاميًا وداعمًا لها رغم الجوع والحصار.
انعطافة مهمة
شكّل الاندحار الإسرائيلي عام 2005 انعطافة سياسية مهمة لفصائل المقاومة والشعب الفلسطيني، كما دفعّت المقاومة الاحتلال ثمنًا باهظًا وأرغمته على الهروب تحت وطأة المقاومة، ولقنت العدو درسًا في الصمود والتصدي.
كما مثلت عملية الاندحار تحريرًا لقطاع غزة، وبناء عليه رفضت حركة حماس أي إعادة لإنتاج الارتباط مع العدو الصهيوني، ومن هذا المنطلق رفضت اتفاق معبر رفح الذي سعت من خلاله السلطة لإعادة ربطه بالكيان عام 2005، بما يتيح للاحتلال مراقبة كل صغيرة وكبيرة على المعبر.
مقاومة منظمة
وبعد الاندحار الإسرائيلي عن قطاع غزة لم تعد المقاومة مجرد مناوشات مع الاحتلال، بل تحولت إلى مقاومة منظمة، وتقوم على جيش وطني بكل مجالاته، سلاح بحرية، وسلاح صواريخ ودفاع جوي، وصناعة منظومة قوية لمواجهة الاحتلال مع مراعاة بيئة قطاع غزة.
تحولت المقاومة إلى منظومة منظمة مكّنتها من الصمود في ثلاث حروب مضت، وأيضًا مكّنت حماس رغم مؤامرة الحصار والعدوان من أن تصمد وتؤسس لمرحلة تكون رقمًا بارزًا في المعادلة الفلسطينية والعربية والدولية، وترفض دفع أي ثمن سياسية.