أظهرت دولة الاحتلال اهتماما لافتا بنتائج الانتخابات الجارية في الدول الأوروبية، وما أسفرت عنه من فوز كاسح لأحزاب اليمين، لاسيما في إيطاليا، التي سجل فيها اليمين انتصارا كبيرا استمرارا لانتصارات يمينية أخرى في القارة العجوز. ورغم مواقفهم الفاشية وذات الجذور النازية، فإن تل أبيب تسعى لإمكانية الحصول على مصلحتها من هذه الأحزاب، بالقفز عن بعض المسائل التي تراها رمزية.
وقد أشعل انتصار جورجيا ميلوني زعيمة الجناح اليميني في الانتخابات الإيطالية ردود فعل تلقائية في إسرائيل، حيث سارع اليمين لتهنئتها بالفوز، رغم تحذيرات اليسار الأوروبي من كونها ذات مواقف فاشية ويمينية متطرفة، وتسير على خطى موسوليني. لكن ميلوني، مثلها مثل باقي الأحزاب اليمينية الأوروبية - خاصة الديمقراطيين السويديين، وخيرت فيلدرز في هولندا، وفيكتور أوربان في المجر، ومارين لوبان في فرنسا - لم تثر كثيرا مخاوف دولة الاحتلال التي زعمت أنها تسعى لتحقيق مصالحها معهم.
أريئيل كاهانا حاول الربط بين فوز اليمين الأوروبي وانزياح الشارع الإسرائيلي نحو معسكر اليمين، قائلا إنه "عندما يتعلق الأمر باليهود وإسرائيل، فإن اليميني الهولندي فيلدرز هو بكل المقاييس من محبي إسرائيل، كما أن لوبان الفرنسية تخلصت من العناصر المعادية للسامية في "الجبهة الوطنية"، وهي خطوة اتخذها الديمقراطيون السويديون، وكذلك قدم فيكتور أوربان الذي يساعد الجالية اليهودية في بلاده بكل الطرق، موضوع تاريخ الهولوكوست كموضوع إلزامي في نظام التعليم، ويفخر بأن اليهود في المجر أكثر أمانًا من أي دولة أخرى".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، أن "ميلوني وفقًا لجميع الاختبارات، ليس لديها خلفية معادية للسامية أو لإسرائيل، صحيح أنها نشأت في جو فاشي، لكنها تخلت عنه منذ فترة طويلة، موقفها العام متعاطف مع إسرائيل، وهي عضوة في نفس التحالف السياسي الدولي مع الليكود ECR، وسيكون وزير خارجيتها جوليو تارزي، الذي وقف بجانب إسرائيل عدة مرات، وشغل منصب سفير إيطاليا لديها، ما يجعل الهجوم عليها من اليسار الإسرائيلي لا أساس له من الصحة".
بالتزامن مع الترحيب الإسرائيلي بفوز اليمين الإيطالي، فقد أعلن عدد من رموز اليسار هناك مواقف معادية لدولة الاحتلال، ومنها إلقاء اللوم على اليهود لإصابتهم بالنازية، واعتبار ما تقوم به في القدس أمرا غير شرعي، لأنها أرض محتلة.
عراد نير مراسل الشؤون الدولية في "القناة 12"، سلط الضوء على زاوية حساسة في فوز اليمين الإيطالي، وتأثيره على دولة الاحتلال، بقوله إن "انتصار ميلوني كشف مرة أخرى عن التحالف غير الأخلاقي الذي صنعه اليمين الإسرائيلي مع المعسكر الفاشي في أوروبا، ولذلك فإن عدم تباهي الأخير بـحب إسرائيل سرعان ما سيكشف الحقيقة التاريخية التي يحاول الطرفان إخفاءها، ورغم أنه كان متوقعا أن يهنئها بالفوز قادة اليمين في الدول الأوروبية، فإن انضمام إسرائيل إلى المهنئين كان المفاجأة".
وأضاف أن "وزيرة الداخلية الإسرائيلية آييليت شاكيد انضمت إلى المهنئين، وأمام الكاميرا، وسجّلت تحية أرفقتها في حسابها على تويتر باللغتين العبرية والإيطالية"، زاعمة أن "انتصار اليمين في إيطاليا مقدمة لفوزه في إسرائيل أيضا"، ويبدو أن "شاكيد أرادت أن تكون تهنئتها لإحياء فرصها بالفوز في الانتخابات المقبلة".
وأكد أن "التقارب اليميني الأوروبي الإسرائيلي لا يقتصر على تهنئة شاكيد لميلوني الإيطالية، لأن اليميني المجري أوربان صديق مقرب لزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، خلال أيامه رئيسا للوزراء أقاما تحالفًا معاً، لأنه يتجاهل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بل ويحرم الاتحاد الأوروبي من الإجماع اللازم لتمرير قرارات قد تضر بإسرائيل بسبب الاحتلال والتمييز ضد الفلسطينيين".
من الواضح أن الترحيب الإسرائيلي بفوز اليمين في دول أوروبا يهدف لإقامة علاقات سياسية قوية معها، تعيد دولة الاحتلال إلى القارة الأوروبية، لاسيما أن هذه الأحزاب اليمينية الأوروبية تحاول التخلص من ماضيها الفاشي، ومن وجهة نظرها، فإن الدعم غير المشروط لإسرائيل جزء من الإجراءات لإزالة ما توصف بـ"رائحتها الكريهة التاريخية".