في الرابع من أكتوبر من العام الماضي 2021، كان أحمد نبهان صقر، الملقّب بـ "أبو بصير"، وهو من سكان مخيم عسكر للاجئين الفلسطينيين شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، على موعد مع مداهمة قوات الاحتلال الإسرائيلي لمنزله، واعتقاله، ويفرج عنه بعد عام تقريبا، أمس الخميس الـ29 من أيلول سبتمبر 2022.
ليكون هذا أحدث اعتقال للرجل الستيني صاحب السجل الطويل من الاعتقالات في سجون الاحتلال، والتي بدأت قبل أكثر من ثلاثة عقود، وبلغ عددها 103 مرات.
على مدى ثلاثة عقود، سرقت سجون الاحتلال أكثر من 21 عاماً من حياة أبو بصير على فترات متفاوتة.
كان يُعتقل لأسابيع أو أشهر أو سنوات، وقد قضى معظمها في الاعتقال الإداري، وكان يلقّب بـ "عميد الأسرى الإداريين".
يقول نجله محمد لـ"فلسطين الآن"،: "لم نعد نحصي عدد المرات التي اعتقل فيها والدي، فهو منذ طفولتي يغيب عنا فترات طويلة خلف قضبان سجون الاحتلال. لا أذكر أن عاماً مرّ من دون اعتقال. ولا أبالغ في هذا. المدة التي قضاها والدي في سجون الاحتلال أكثر من تلك التي عاشها معنا".
وبدأت معاناة الرجل مع الاحتلال، منذ أن كان تلميذاً في المرحلة الثانوية أواخر سبعينيات القرن الماضي. حينها، أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي قراراً عقابياً بإبعاده وعدد من زملائه عن مدرسة قدري طوقان الثانوية في مدينة نابلس، التي كانوا يدرسون فيها، إلى مدرسة أخرى في إحدى القرى التي تبعد 15 كيلومتراً عن بيته، بسبب دورهم الوطني في تحريض التلاميذ الطلاب على الاحتلال.
لكن تجربة أبو بصير مع سجون الاحتلال واعتقاله الأول كان عام 1988، أي بعد أشهر قليلة فقط على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، نظراً لدور أبو بصير المؤثر في تحريك الشارع وقيادة التظاهرات آنذاك.
وتنقّل أبو بصير الذي ينتمي إلى حركة حماس بين مختلف السجون الإسرائيلية، وخضع لأكثر من 200 جلسة محاكمة طيلة فترات اعتقاله خلال العقود الثلاثة الماضية، كما تعرض إلى جلسات تحقيق قاسية في أقبية الاستخبارات الإسرائيلية التي استخدمت فيها أبشع أساليب التعذيب وأعنفها.
وخلال تلك الاعتقالات، خاض عشرات الإضرابات عن الطعام، استمر بعضها أسابيع.
وعن أصعب مراحل الاعتقال، يقول أبو بصير إنها كثيرة. "السجن في حد ذاته صعب، والابتعاد عن الأهل صعب، عدا عن التحقيق والمحاكم. لكن الأصعب على الإطلاق هو التنقلات التي يجبر عليها الأسير من السجن الذي يقبع فيه إلى المحكمة والعكس"، لافتاً إلى أن هذه التنقلات تتم عبر حافلات مخصصة لنقل السجناء، وتفتقر إلى أبسط مقومات الراحة وتعرف بـ "البوسطة".
ويمكث الأسير ما بين يومين وخمسة أيام على الرغم من أن المسافة لا تستغرق سوى بضع ساعات، "لكن الهدف تعذيب الأسرى". وطوال عملية النقل بالبوسطة، يكون الأسير معصوب العينين واليدين، ولا يرى النور، وبالكاد يحصل على الطعام. وبعد إنزاله، يحتجز في مراكز تجميع تعرف بالمعبار لساعات أو ربما أيام، ثم يواصل الأسير رحلته المأساوية من دون أي اعتبار لعمره وصحته، بحسب "أبو بصير".
الأسرى المحررون الذين عايشوا أبو بصير خلال اعتقالاته الكثيرة يقولون "إنه شخصيّة محبوبة ومحل احترام وثقة، مرحاً جداً مع الأسرى ويتولى خدمتهم بنفسه"، وهم يصفونه بـ "الصخرة"، التي لا تلين أمام السجانين الإسرائيليين.
وأبو بصير، تاجر خضار معروف على مستوى الضفة الغربية، كان يدير أعماله اليومية وكأنّه ليس معتقلاً، "في إحدى المرات، أكمل إجراءات خطوبة وزواج ابنه الكبير محمد وهو في السجن. كان يؤمن أن الحياة لا تتوقف، والاستسلام للاحتلال ليس حلاً".