بالتزامن مع التوترات الأمنية المتصاعدة بين إيران والاحتلال، كشفت أوساط سياسية لدى الأخير معلومات يعلن عنها لأول مرة عن نواياه المتوفرة لقصف المفاعلات النووية الإيرانية ثلاث مرات، لكن رؤساء الأجهزة الأمنية، بمساعدة رئيس الاحتلال الراحل "شمعون بيريس" والحاخام الأكبر، قاتلوا بكل قوتهم ضد بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وإيهود باراك وزير الحرب، الذين عزما على تنفيذ الهجوم في المرات الثلاثة.
جاء هذا الكشف في كتاب صدر في دولة الاحتلال عن السيرة الذاتية لنتنياهو من تأليف مراسلة الشؤون الحزبية المرموقة مزال معلم، ونشر موقع "ويللا" بعضا من مقتطفاته التي جاء فيها أنه "في منتصف ليل الاثنين 24 أكتوبر 2011، غادر نتنياهو منزله في القدس المحتلة وصولا الى منزل الحاخام عوفاديا يوسف ابن 91 عامًا، الزعيم الروحي لحركة شاس، لأخذ الموافقة منه على اتخاذ قرار بوقف القنبلة الإيرانية، حيث طلب مغادرة جميع المستشارين للقاعة".
وأضافت في تقرير أن "نتنياهو أبلغ الحاخام بأن هناك تهديدات ضد إسرائيل، وربما يتعين علينا في غضون أيام اتخاذ قرار بمهاجمة إيران، لأننا نقترب من نقطة اللاعودة، وبدا مصمما على القرار، واستخدم مبررات تاريخية يهودية، بزعم أن هذه هي إيران نفسها التي حاولت تدمير شعب إسرائيل، كانت هناك محرقة واحدة، ولن أسمح بوجود أخرى، اقتربت اللحظة، وإلا سيكون الوقت قد فات للهجوم، حتى أوباما قد يتخلى عن إسرائيل، ونحن نواجه خطر الفناء، نحن وحدنا".
وأشارت أن "نتنياهو الذي قدّر أنه سيكون قادرًا على إقناع الحاخام بسهولة، بدا متفاجئًا بالأسئلة الكثيرة والمركزة التي رشقها بها، واستمر الحاخام في جعل الأمر صعبًا، وقدر عالياً رأي رئيس الأركان ووزير الشؤون الإستراتيجية موشيه يعلون، وباتت علاقتهما غير العادية بين حاخام التوراة والجنرال العلماني أقرب لصداقة قوية، حيث عارض يعلون هجومًا إسرائيليًا مستقلًا على إيران، وفي النهاية رفض الحاخام أن يكون ختمًا مطاطيًا لعمل بدا له مغامرًا، مما يعني أن نتنياهو فشل في إقناعه".
في الوقت ذاته، تكشف المؤلفة أن "نتنياهو وباراك واجها صعوبة في الحصول على اتفاق لمهاجمة إيران ضمن "الثمانية"، وهي هيئة الوزراء المجموعة الصغيرة التي عملت جنبًا إلى جنب مع مجلس الوزراء السياسي والأمني في ذلك الوقت، وأصبحت المنتدى الرئيسي للمناقشات حول هذه القضية، لكن الوحيد الذي أيد الهجوم هو وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، أما يوفال شتاينتس، وزير المالية المقرب من نتنياهو، فقد عارض الضربة الانفرادية".
وأوضحت أنه "في النصف الأول من 2011 تغير رؤساء المؤسسة الأمنية الواحد تلو الآخر: رئيس الأركان غابي أشكنازي، رئيس الموساد مائير داغان، ورئيس الشاباك يوفال ديسكين، عارض الثلاثة بشدة الهجوم على إيران، وعند انسحابهم حطموا كل السدود، فشنّوا حملة غير مسبوقة ضد السلوك المسيحاني الذي يتبعه نتنياهو، واعتبروا توجهه ضد إيران وصفة لحرب شاملة وكارثة وطنية، لكن اختفاء الثلاثة بدا أنه أزال العقبات الرئيسية أمام اتخاذ قرار الهجوم".
وأشارت أن "بدلاءهم الجدد بيني غانتس وتامير باردو وويورام كوهين، اعترضوا أيضًا على هذه الخطوة، لكن فيما يتعلق بنتنياهو وباراك، فإنهم بدوا أكثر راحة في العمل، وكانت مهمتهما الرئيسية الحصول على أغلبية في الحكومة للموافقة على الهجوم، ولم يدخرا في جمع خبراء وخرائط وبيانات رقمية عن النووي الإيراني لإقناع المعارضين، وزيارات سرية لقواعد القوات الجوية وفرقة المخابرات والوحدات الخاصة التي تدربت على مدار الساعة على الخطط الهجومية، ومحادثات شخصية طويلة معهما".
وأكدت أنه "رغم الضغط الشديد الذي مارسوه على إيلي يشاي وزير الداخلية من حزب شاس، ورغم علاقته الممتازة مع نتنياهو، وانتمائه لليمين المتطرف في الحكومة، لكنه رفض بحزم الموافقة، منزعجا من عدم استعداد الجبهة الداخلية لحرب طويلة، يتم فيها إطلاق الصواريخ كل يوم على التجمعات السكانية، وبجانب يشاي فقد عارض أيضا الوزراء دان ميريدور وبيني بيغن وموشيه يعالون، وهم من الليكود أيضا".
وكشفت النقاب أن "الرئيس بيريس والسفير الأمريكي دان شابيرو وضعا كل ثقلهما على يشاي ليستمر في معارضته، مما شكل عقبة كبيرة في طريق نتنياهو وباراك يجب إزالتها من الطريق، فيما أيقن يعلون أن نتنياهو تحركه مصلحة حزبية ساخرة تتعلق باحتياجات بقائه السياسي، لذلك لم يتردد في لقائه مع الحاخام يوسيف في إثارة الشكوك حول دوافعه، مؤكدا له أن إسرائيل لا يجب أن تهاجم وحدها الآن، لأننا لم نصل إلى خط اللارجعة بعد".
بعض من التفاصيل تبدو مهمة، فحين جاء باراك للقاء الحاخام يوسيف، وصفه الأخير بأنه "ماكر للغاية، ولا يخبرنا بكل شيء، لا أشعر أنني أستطيع الوثوق به، إنه ثعلب، هذا خطر على بني إسرائيل، كلماته غير صحيحة".
تؤكد مؤلفة الكتاب أن "إسرائيل اقتربت ثلاث مرات على الأقل من ممارسة الخيار العسكري في إيران، في خريف 2010 و2011 وصيف 2012، لكن أشكنازي قائد الجيش السابق أكد لنتنياهو وباراك أن الجيش ليس لديه القدرة التشغيلية، فيما حذر داغان رئيس الموساد أن الهجوم قد يؤدي إلى حرب، وبالتالي يجب أن تتم الموافقة عليه في الحكومة، وليس في منتدى محدود".
وتضيف أن "بيريس نسق جهوده غير الرسمية لكبح جماح نتنياهو وباراك، ولم يتورعا عن اتهامه بأنه يقوض جهودهما أمام رؤساء المؤسسة الأمنية والأمريكيين، لأن قرار الهجوم قد يؤدي إلى حرب كبرى، وتدمير للعلاقات مع الولايات المتحدة، لكنه أيقن أن الهجوم على إيران سيحول إسرائيل إلى دولة مجذومة في العالم، مما سيجعلنا نشعر بالذعر، ويتطلب منا منع وقوع الكارثة، ولن أقف جانبا في وجه هذا الجنون، لدي التزام أخلاقي بأنه لا يمكن لإسرائيل مهاجمة إيران بمفردها".