تبدي المحافل الإسرائيلية اهتماما لافتا بالتطورات الداخلية للسلطة الفلسطينية، ومعركة خلافة محمود عباس، وسط خشية من خروج الأوضاع عن السيطرة في الضفة الغربية المحتلة مع تصاعد أعمال المقاومة وعدم مقدرة الأجهزة الأمنية للسلطة على مواجهتها.
ورصدت الأوساط الإسرائيلية عودة حسين الشيخ الذي يتم تحضيره لخلافة أبي مازن، من واشنطن، ولقائه بمستشار الأمن القومي جاك سوليفان وكبار مسؤولي وزارة الخارجية، لمناقشة الوضع الأمني في الضفة الغربية، ومقترحات لتعزيز موقف السلطة، وخلق أفق سياسي مع دولة الاحتلال، ومطالبة بالضغط عليها لوقف اقتحام قواتها للمدن الفلسطينية، بالتزامن مع اتخاذ السلطة لخطوات ميدانية لمحاولة استعادة السيطرة على شمال الضفة.
يوني بن مناحيم الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، زعم أن "عباس شكّل لجنة أمنية برئاسة نضال أبو دخان قائد قوات الأمن الوطني، صاحب الخبرة في التعامل الحاسم مع مسلحي مخيمات بلاطة والأمعري لمحاولة نزع سلاح مجموعات "عرين الأسود"، رغم محاولتها توسيط شخصيات لنزع سلاحها دون عنف، وتعيينهم عناصر في أجهزتها الأمنية، وتشتري منهم أسلحتهم، ويحصلون على "عفو" إسرائيلي".
وأضاف في مقال نشره موقع نيوز ون، أنه "بالتزامن مع هذه التطورات تتحدث المحافل الإسرائيلية أن السلطة تعيش مراحل قاسية من مصيرها، في ظل انتقادات فتحاوية داخلية لعباس بزعم أنه قادها للفشل الذريع، وما يهمه هو بقاؤه الشخصي، ورعايته لإمبراطورية أبنائه الاقتصادية، وأدت سياسته الحالية لفوضى أمنية، وتقوية حماس بالضفة".
وأعاد أسباب ضعف السلطة إلى "وصول مشروعها السياسي مع إسرائيل لطريق مسدود، وفشلها بخلق أفق سياسي للفلسطينيين، والفساد الكبير في أجهزتها ووزاراتها، وصراعات فتح الداخلية تحضيرا لمعركة الخلافة، وتشكيل متنافسها لميليشيات مسلحة، وقمع المعارضة الفلسطينية بقوة، وإلغاء الانتخابات العامة خشية من فشل مشين فيها، وفقدان السلطة لشعبيتها في الشارع الفلسطيني بسبب التنسيق الأمني مع إسرائيل".
تظهر هذه التقديرات الإسرائيلية أن دولة الاحتلال والولايات المتحدة والدول العربية "المعتدلة" قلقة للغاية من إضعاف السلطة الفلسطينية، وتحاول تقوية عباس في موقعه، لكن يبدو أن الوضع سيزداد سوءًا، وفق تقديراتها، بمجرد تنحيه عن المسرح السياسي، مما قد يستدعي منها اتخاذ إجراءات صارمة على الأرض لمنع حماس من السيطرة على الضفة الغربية في مثل هذه الحالة المتوقعة.
ليئور أكرمان الضابط السابق في جهاز الأمن العام- الشاباك، وكبير الباحثين بمعهد السياسات والاستراتيجيات في جامعة رايخمان، ذهب أبعد من سابقه حين "طالب بالاستعداد لسيناريوهات اليوم التالي لنهاية عهد عباس، بزعم أن إسرائيل ستشهد حالة من الفوضى، والصراعات الدموية على خلافته، وخوض اشتباكات عنيفة بين كبار مسؤولي فتح، مما سيفسح المجال لتصاعد عمليات المقاومة ضد الاحتلال، مع العلم أنه تم اختيار عباس لمنصبه هذا ليس لمهاراته القيادية المتميزة، أو قدراته الاستراتيجية، ولا قوته غير الموجودة في الشارع الفلسطيني، بل لأنه الوريث الطبيعي لياسر عرفات".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف، أن "الفلسطينيين والإسرائيليين، فهموا جيدًا أن عباس ليس قائدًا عظيمًا قادرًا على قيادة شعبه لإنجازات تاريخية، لكنه رمادي يفتقر للكاريزما والقدرات القيادية، لم تحظ فترة قيادته بتأييد واسع من سكان السلطة، لكنه يبلغ الآن 87 عاما، ويعاني مشاكل صحية كثيرة، وضعفا جسديا، وفقد قدرته على جلب نوع من الإنجاز لشعبه، ورغم ذلك فإنه لم يعين وريثًا له، وقد لا يفعل حتى وفاته، رغم أنه بنى خلية نحل قريبة من الموالين، وتأكد من إبعاد خصومه، لكن لا يوجد حاليًا شخصية واحدة متفق عليها ومقبولة في قيادة السلطة يُنظر إليها على أنها بديله الطبيعي".
وأشار إلى أن "الأسماء البارزة التي تعتبر نفسها مرشحة لخلافة عباس، تتراوح بين جبريل الرجوب وماجد فرج ومحمد اشتيه ومحمود العالول وحسين الشيخ، صاحب العلاقات الجيدة جدا مع إسرائيل، مما جعل دعمه في أوساط الفلسطينيين يضعف، فضلا عن محمد دحلان ومروان البرغوثي، وبالتزامن مع فتح بازار الترشيحات الفتحاوية، مما قد يفسح المجال لحرب استنزاف على الأرض، ويرجح امتداد الصراعات الداخلية إلى الشارع".
لا تتردد الأوساط الإسرائيلية في الاعتقاد بأن هؤلاء المرشحين لا يحصلون على دعم قوي من الشارع الفلسطيني، لذلك فإن عدم قبول أي مرشح بالآخر، يعني أن يقوم الخاسرون بخطوات عنيفة في الميدان، وفي هذه الحالة قد تقوم حماس بتوجيه موجة عمليات مسلحة ضد الاحتلال، تمتد إلى الداخل المحتل48، مما قد يتطلب استعدادات من خلال الجيش والشاباك، لأنهما قد يجدان نفسيهما، لأول مرة منذ اتفاقيات أوسلو، مسؤولين وحدهما عن السيطرة على الأوضاع في الضفة الغربية.
تبدي المحافل الأمنية والعسكرية الإسرائيلية خشيتها أن تضاعف هذه التطورات من حجم المشكلة الميدانية أمامها، مما قد يدفعها لاتخاذ إجراءات عسكرية إضافية، وفي هذه الحالة قد تزداد فرصة التأثير الإسرائيلي في اختيار خليفة عباس، لأن ذلك سيكون له آثار بعيدة المدى، لأن التقدير أن أي وريث سيأتي في نهاية المطاف سيتخذ في البداية خطاً استفزازياً ضد إسرائيل من أجل ترسيخ شرعيته داخل شعبه.