مستوطنة كريات أربع، التي أقيمت عنوة فوق تلة جبلية مرتفعة شرقي الخليل، على مساحة تبلغ ( 4940) دونماً، تحتضن التطرف اليهودي، فقد استجلب إليها غلاة المستوطنين للسكن فيها وخاصة من حزبي "هتاحيا" و"موليدت"، وانطلقت من داخلها حركة غوش أمونيم، والتي أحضرت سبعة آلاف مستوطن، ليرتكبوا المجازر بحق السكان وتصبح كابوساً يؤرقهم، وباتت من أكبر مستوطنات الضفة الغربية.
يقول هشام الشرباتي، منسق لجنة الدفاع عن الخليل، إنه في عام 1968م، بدأ الاحتلال الاسرائيلي يشق الطريق لبناء أول مستوطنة في جبل الخليل، بعد احتلال المدينة عقب حرب عام 1967، وهي مستوطنة كريات أربع، والتي كانت ذات بعد وأهداف أيديولوجية، حيث يعتقد غلاة المستوطنين أن نبي الله إبراهيم عليه السلام هو يهودي، وأن المسجد الابراهيمي هو كنيس يهودي، مشيراً إلى أنه بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية التي يقودها حزب العمل برئاسة " ليفي أشكول"، والتي كانت تعمل جاهدة على تجذير الاستيطان، على مقترح وزير البنى التحتية آنذاك شمعون بيرس على إقامة مستوطنة كريات أربع وتكفلت الوزارة بتغطية موازنات البناء وأشرف عليها بنفسه.
وأضاف، ولتستقطب وتجلب دعاة التهويد والاستيطان إلى الخليل، تم إقرار بناء مدرسة دينية، وتشجيع زيارة المستوطنين إلى الحرم الإبراهيمي، وعملت على تحويل جزء منه إلى غرفة صلاة، تمهيدًا للسيطرة على الحرم ومحيطه، حتى سمحت في أيلول من عام 1968 للمستوطنين بإقامة كنيس، مقابل الحرم الإبراهيمي، وكانت هذه الخطوة في خلق واقع جغرافي يهودي داخل مركز المدينة، وفي نفس العام، فتحت قوات الاحتلال مدخلا وطريقا جديدا إلى الحرم الإبراهيمي، وأقامت نقاط مراقبة عسكرية حول المنطقة.
وبيّن الشرباتي، أن مستوطنة كريات أربع، ساهمت في بناء العديد من المستوطنات حول محافظة الخليل، مشيراً إلى أن المعهد الديني داخل كريات أربع لعب دوراً بارزاً في تجذير وبناء جيل يهودي متطرف حاقد على العرب والفلسطينيين، فخرج الآلاف من الطلبة الذين شكلوا جيشاً من المستوطنين الذين أخذوا على عاتقهم مواصلة الاستيطان في قلب المدينة رغم ما سيعتريهم من مخاطر، موضحاً أن هؤلاء المستوطنين هم الذين سيطروا على العديد من الأماكن في الخليل كمدرسة الدبويا ومدرسة أسامة بن المنقذ، وساحة الكراجات وتل الرميدة وسوق الحسبة وخان شاهين وغيرها من الأماكن، وسقط على اأيديهم الكثير من الشهداء وأبرزها مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف، التي نفذها المستوطن باروخ غولدشتاين، وهم يصلون الفجر في شهر رمضان المبارك عام 1994م، والتي ارتقى فيها نحو 39 شهيداً وأصيب أكثر من مائتي جريح، مؤكداً أن الهدف من المجزرة نشر الرعب في نفوس السكان وتهجيرهم من البلدة العتيقة، وفرض وقائع جديدة على الارض، وتم تقسيم الحرم مكانياً وزمانياً، وفرضت وقائع أمنية جديدة، حتى تحولت البلدة إلى بؤرة استيطانية كبرى وثكنات عسكرية.
وأضاف، كما أقام المستوطنون داخل مستوطنة كريات أربع، مراكز حيوية كثيرة، منها معهد ديني، ومطبعة كبرى، ومراكز ثقافية دينية كبرى وأخرى رياضية، ومركز تجاري كبير للتسوق ومراكز حيوية، ومنطقة صناعية صغرى، حتى باتت أشبه بمدينة صغيرة.
الدكتور أحمد الحرباوي، الباحث في مجال الانثروبولوجيا، إنه اسم مستوطنة كريات أربع مستوحى من التوراة باعتباره الإسم الأقدم للخليل، مشيراً أن سفر يشوع يذكر بالفصل ( 14 : 15 ) أن أقدم أسماء مدينة الخليل هو أربع نسبة إلى بانيها " أربا" من أعظم رجال العماليق حسب الوصف في الكتاب المقدس دون أي إشارة لماهية العماليق أو توضيح، كما أن إلحاق كلمة حبرون بكلمة أربع التي ترد في نصوص العهد القديم تشكل علامة استفهام عن سبب هذا التأكيد وكأن هناك لبس ما في تحديد هوية مدينة "أربع".
وأشار، أن هناك العديد من الأمثلة عن هذا التأكيد في نصوص الكتاب المقدس منها ما ورد في (سفر التكوين23: 2): ماتت سارة في كريات أربع أي حبرون في أرض كنعان، وفي قائمة مدن يهوذا في (سفر يشوع 15:54): حمطة وكريات أربع أي حبرون وزيور... إلخ. بالإضافة إلى مدن الملجأ (سفر يشوع 20: 7): فنحيوا قادش في جبل نفتالي في الجليل وشكيم في جبل افرايم وكريات أربع أي حبرون في جبل يهوذا، وهناك مثال آخر ورد في قائمة المدن اللاوية (سفر يشوع 21:11): تم تعيينهم في جبل يهوذا كريات أربع – (كان أربع) والد العملاق (أنوك/عناق) أي حبرون.
وأوضح الحرباوي، أنه من الواضح جداً أن الصياغة في الكتاب المقدس تمت على مراحل مختلفة فالمدينة التي تم ذكرها في النص الأول كانت هي "أربع" وهناك كاتبا ما قام في فترة لاحقة على الأرجح من كتابة مفردة "حبرون" عندما أصبح هذا الاسم دارجا، ولكن ما أصل الاختلاط بين هذين الاسمين؟، مشيرا انه هناك العديد من الأدلة التي يمكن الاستناد إليها في فهم هذا اللبس داخل السردية التوراتية، مدينة أربع تختلف بشكل كلي عن مدينة حبرون، وهما مدينتين منفصلتين، فحبرون هي مدينة العمالقة التي غزاها كالب بن يفنا -حسب النص التوراتي- الذي ربطها بشخصياته المؤسسة وهم (إبراهيم وسارة ويعقوب.... الخ) وهي نفس المدينة التي توج فيها النبي داود في أول مملكة له، أما كريات أربع فهي المكان الذي ماتت فيه زوجة إبراهيم سارة.
وتابع، أن فترة تدوين التوراة كانت في القرن الثامن قبل الميلاد أي بعد ألف عام على تلك الأحداث، واختلطت المدينتان في فهم كتبة النص المقدس الذين اعتقدوا أن أربع هي الاسم القديم لحبرون فما انفكوا في توضيح ذلك بإضافة كلمة حبرون بجانب كلمة أربع.