سيارات كثيرة.. سائقون من كل شكل ولون.. بعضهم قدير وبعضهم ليس كذلك.. سيارات متهالكة تترنح يميناً وشمالاً لا غمازات ولا كشافات إنارة تسير على (البركة) كما يقول كثير من الغزيين. مشكلة السير في غزة مشكلة لا شك أنها مركّبة ومعقدة ومتعددة الأطراف والاتجاهات.. فلا يمكن لأحد أن يحمل جهة هنا المسئولية عمّا آلت إليه الأوضاع على الطرقات في غزة. فالحصار المطبق على غزة الذي جعل من شوارعها في معظمها غير صالحة للسير على الرغم من جهد الحكومة العمل على إصلاح وإعادة تأهيل شوارع كثيرة غير أن الحاجة أكبر من ذلك بكثير،إضافة إلى حالة الفقر والبطالة التي دفعت كثيرين ليكونوا في عداد سائقي الأجرة بسيارات بعضها مخصص للأجرة وبعضها ملاكي. جدل كثير أحدثته هذه الحالة في الشارع الفلسطيني الغزي انعكست على سيارة حملتني إلى مكان سكني في طريق العودة من عملي في مدينة غزة بعد يوم عمل مرهق. ركبت السيارة فوجدت جدلاً محتدماً بين السائق ومن معه من الركاب الثلاثة حول الحملات المرورية التي تقوم بها الحكومة في غزة. السائق يدافع عن وجهة نظره القاضية بضرورة عدم مخالفة السائقين وأن هذه الحملات لا ضرورة لها وهدفها جمع المال لا غير. "وين ما نروح نجدهم" (يقصد شرطة المرور) بدءوا بالتأمين والترخيص والآن يتحدثون عن التدخين وكله لتأمين الرواتب " قال السائق عماد الذي يبلغ من العمر كما قدرت ما يزيد على الثلاثين عاماً. عارضه أحدهم بالقول "كل هذه حملات لصالح السائقين وصالح المواطن "وزينا زي كل دول العالم المتحضر". صمت الجميع برهة، لكن أحدهم بعد لحظات فجر كلمات لم يستطع معها لساني عن الاستمرار في الصمت ورفض ضميري الاستمرار في عدم الاشتراك في الحوار الدائر. "لما يصير عندنا شوارع زي العالم ويصير إلنا دولة يعملوا إلي بدهم إياه" قال . هو طالب جامعي ويبدو من منظره أنه إنسان مثقف ، شعره مصفف ، يحمل حقيبة على ما يبدو تحوي جهاز حاسوب محمول ، غير أن عبارته الصادمة حركت عضلة لساني دون إيعاز. قلت بحرقة:"لو عندك بيت متهالك من الزينقو أو الأسبست وجدرانه متهالكة وأرضه ليست مستوية هل تقوم حينها برمي القمامة تحتك وتتركه دون تنظيف أم تحاول تجميله وتغطية عيوبه". تدخل السائق وقال "لا كيف؟! الإنسان يحاول أن يبدو بيته جميل حتى ولو كان وضع المنزل تعبان يغطي الجدران بسجادة ببرواز بأي شيء لكن لا يتركه دون نظافة". طلبت من الجميع إسقاط ذلك على ما يحدث من حملات مرورية ومحاولة لتنظيم حالة السير في قطاع غزة قائلاً" الآن ليس لدينا شوارع جيدة وليس لدينا دولة هل يعني ذلك أن نعيش الفوضى وعدم النظام؟! صمت الجميع وقتاً ليس قصيراً، ليقطع السائق سكون السيارة إلا من محركها المزعج ليقول "لو جينا للصحيح كل هذه الحملات في صالحنا". ابتسمت ابتسامة رقيقة مع كل كلمة تحدث بها السائق مستطرداً بالحديث عن ضرورة أن يكون السائق يتمتع بالأخلاق ، وأن تكون سيارته ملائمة للسير على الطريق حتى أنه تحدث عن النظافة والملبس الذي يجب على السائق أن يرتديه وضرورة أن يكون جميلاً ونظيفاً وأنيقاً. لذلك فإنه بات من الضروري أن تقوم الحملات المرورية على حملات دعائية تظهر للمواطن فظاعة الحوادث المرورية، والإصابات الناتجة عنها بكل الوسائل المتاحة، وليتم توزيعها في كل شارع ومسجد وزقاق، وليكن المسئول متأكداً أنه مهما قام من حملات بعدها لتنظيم الحملات المرورية؛ فإنها ستلقى ترحيباً واحتراماً ، بعد أن يعي المواطن الهدف الحقيقي لهذه الحملات والذي هو حماية الأنفس وإنقاذ عشرات الأرواح التي تزهق بشكل يومي في طرقات وشوارع القطاع. جدير بالذكر أن قطاع غزة يشهد حالة غريبة وغير مسبوقة من الحوادث المرورية التي تؤدي إلى قتلى وجرحى وإعاقات بالعشرات في كل شهر ، وقد شهد القطاع نتيجة ذلك حراكاً غير مسبوق عن طريق حملات مرورية تنظمها وزارة الداخلية عبر شرطة المرور بالتعاون مع أجهزة الوزارة المختلفة للتأكد من صلاحية المركبات لتسير على الطرق وهو ما لاقى ترحيباً وقبولاً من كثيرين غير أن آخرين عارضوها وأغلبهم من السائقين .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.