اثنتان وسبعون ساعة فقط فصلت بين تسلم إيتمار بن غفير زعيم حزب "القوة اليهودية" المتطرف وزارة الأمن القومي في حكومة نتنياهو الفاشية بصلاحيات أمنية واسعة حتى أعلن نيته اقتحام المسجد الأقصى المبارك خلال الأيام المقبلة، في تطبيق عملي ومتسارع لتهديداته المتطرفة بطرد الأوقاف الأردنية ونزع الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى، وتغيير الواقع التاريخي والديني والقانوني بالقوة عبر تنفيذ مخططات جماعات جبل الهيكل المتطرفة، وفرض التقسيم الزماني والمكاني داخل باحات المسجد الأقصى المبارك، أسوة بالمسجد الإبراهيمي وسط مدينة الخليل المحتلة.
اقتحام بن غفير المسجدَ الأقصى سيكون مختلفًا هذه المرة عن اقتحاماته السابقة عندما كان عضوا في كنيست الاحتلال، لأنه سيكون أول اقتحام لوزير صهيوني لباحات الأقصى منذ خمس سنوات، وهو يأتي بعد ساعات من تحريضه جنود الاحتلال على إطلاق الرصاص على الفلسطينيين بهدف القتل، وإعلانه توفير الحماية للجنود القتلة، مع إشرافه المباشر في حكومة نتنياهو على جهاز الشرطة في الكيان، وقوات حرس الحدود الصهيونية، ما يعني عمليًّا امتلاكه صلاحيات واسعة قد تؤدي إلى إشعال المنطقة بأفعاله العنصرية الهوجاء.
تصعيد بن غفير للأوضاع في المسجد الأقصى يأتي متزامنًا مع استهداف الاحتلال الشخصيات الاعتباريةَ في مدينة القدس، إذ اقتحم جيش الاحتلال منزل رئيس الهيئة الإسلامية العليا، إمام وخطيب المسجد الأقصى، فضيلة الشيخ عكرمة صبري، واستدعاه للتحقيق، قبل الإفراج عنه، كما اقتحم جيش الاحتلال منزل محافظ القدس عدنان غيث الذي يقبع في الحبس المنزلي بقرارٍ صهيوني، وسلمه قرارًا بتجديد منعه من دخول الضفة المحتلة، وهي خطوات عدوانية لا يُفهَم منها سوى أنها تأتي محاولة بائسة لإرهاب المقدسيين عن مواجهة سياسات حكومة نتنياهو المقبلة ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة.
كما أن هذا التصعيد المتطرف يأتي مع حالة النشوة السياسية التي تعيشها جماعات الهيكل اليهودية المتطرفة، التي تشعر بأن الوقت حان لفرض رؤيتها اليمينية الفاشية ببدء تأسيس هيكل يهودي مكان المسجد الأقصى، فقد طالبت تلك الجماعات في رسالة وجهتها إلى المفوض العام لشرطة الاحتلال في مدينة القدس المحتلة بتحقيق أهدافها المتطرفة في ظل حكومة نتنياهو الحالية، وفي مقدمة تلك المطالب الفاشية، إقامة كنيس يهودي في باحات الأقصى، وفرض التقسيم الزماني بين المسلمين واليهود داخل المسجد، والسماح بإدخال أدواتهم التلمودية إلى داخل المسجد، وتمديد ساعات اقتحامهم اليهود للمسجد الأقصى، والسماح لهم بأداء صلواتهم اليهودية التلمودية، وطقوسهم التوراتية في باحات الأقصى طيلة أيام الأسبوع، وهي مطالب كفيلة في حال تنفيذها بتفجير الأوضاع في المنطقة العربية برمّتها.
وبالنظر إلى المخاطر التي تُحدق بالمسجد الأقصى في ظل إصرار حكومة نتنياهو المتطرفة على تنفيذ تهديداتها ضد المقدسات، فإن الخيارات أمام المقاومة الفلسطينية ستكون محدودة، وهي التي أعلنت مرارًا أن "سيف القدس" لن يُغمَد، في إشارة إلى إقدامها على تنفيذ تهديداتها سابقًا دفاعًا عن المسجد الأقصى، وهي اليوم تعيد الكَرَّة ذاتها برسائل شديدة اللهجة أوصلتها حركة حماس لحكومة نتنياهو من خلال الوسطاء المصريين والأمميين، بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تهديدات بن غفير، وأن محاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني داخل المسجد الأقصى تعني عمليًّا تفجير مواجهة مسلحة بين المقاومة والاحتلال.
ربما يجد بن غفير نفسه اليوم مضطرًا وسط تهديدات حركة حماس لتأجيل اقتحاماته للمسجد الأقصى، لكنه قطعًا سيحاول تنفيذ تهديداته لاحقًا، وهنا نتوجه برسالتنا نحن الفلسطينيين إلى رجال المقاومة في غزة، و جنين، وعرين الأسود، و بلاطة، ورجال القدس أنه يجب عليهم جميعًا أن يواجهوا بالقوة المسلحة غطرسة بن غفير وأمثاله، فاليمين اليهودي المتطرف لا يعرف سوى لغة القوة، وهي اللغة الوحيدة التي يمكن أن تلجم حكومة نتنياهو ووزراءها المتطرفين.
كما ينبغي لنا نحن الفلسطينيين أن نقف سندًا لرجال المقاومة الفلسطينية الذي عاهدوا الشعب الفلسطيني على الدفاع عن مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، وأن نشكل بوحدتنا خلف خيار المقاومة جدار حماية للمقدسات، وسندًا لأهلنا المقدسيين، وأن يقف الشعب الفلسطيني مؤازرًا للمرابطين في باحات الأقصى، وأنه مستعد لبذل التضحيات الجسام دفاعًا عن عروبة وإسلامية القدس المحتلة.