لم يطُل الوقت كثيرًا على جريمة الاحتلال في جنين وشعفاط، حتى خرج لهم خيري علقم ابن القدس وابن فلسطين ليرد عليه الباب الذي فتحه بالأمس عند ارتكاب مجزرة جنين، حيث قتل 7 مستوطنين حتى كتابة المقال، وتضاربت الأرقام التي تصل إلى 12 قتيلًا، لكن الأهم أن هذه العملية تعيد قواعد الاشتباك مع الاحتلال، وأن العملية ضربة في خاصرة الاحتلال، وهز لجهاز الشاباك الذي يتفاخر بأنه يعرف كل ما يحدث، ليأتي له خيري -الذي لم يُسجل عليه أي نشاط- من حيث لا يحتسب.
ارتكب الاحتلال في الأيام الأخيرة عدة جرائم في الضفة الغربية، وآخرها في جنين، عبر مجزرة بارتقاء 10 شبان ومواطنين، في أوسع عملية اجتياح تحدث للمخيم من سنوات طويلة، بشاعة الجريمة بطريقة ارتكابها عبر استهداف المدنيين مباشرة، وكذلك استهداف المقاومين وحرق جثثهم، ويضاف إلى ذلك عمليات الاغتيال والقتل المباشر للشبان في نابلس وجنين والقدس، واقتحام مخيم شعفاط بشكل غير مسبوق، لهدم منزل المقاوم عدي التميمي.
في سياق الرد على ما يحدث، تُطرح مباشرة ردة الفعل الفلسطينية، وطريقة التعامل مع جرائم الاحتلال، وخاصة ما يتعلق بدور غزة كقوة مقاومة لديها إمكانيات للدخول في مواجهة، لكن بنفس السياق تُطرح الكثير من التساؤلات حول كيفية وطريقة الرد والتعامل.
ما يحدث حاليًا أصبح معروفًا ومفهومًا وضمن سياسة الرد دون الإخلال بقواعد الاشتباك مع الاحتلال، عبر إطلاق صواريخ محدودة، سواء ضمن الإجماع أو خارجه، فأصبح متفاهمًا عليه ضمنيًا، لكن الأهم هو التعاطي مع اعتداءات الاحتلال التي تطال مباشرة وبوضوح مواقع كتائب القسام، وترد الكتائب بطريقة مختلفة بين الفينة والأخرى، لكن بطريقة متطورة، عبر إطلاق صواريخ أرض جو وإطلاق المضادات الأرضية التي تصعيب مستوطنات غلاف غزة، وهو تطور حدث في العام الأخير.
هذه المعادلة تحافظ على الرد من غزة على جرائم الاحتلال، في حين تحافظ على قواعد الاشتباك التي أرسيت منذ عام 2014، لكن التطور المهم الذي حدث، هو معركة سيف القدس التي طورت هذه القواعد، واعتمدت على ألا تبقى في غزة، بل تنتقل عبر الإجماع الوطني في التعامل مع الضفة الغربية واعتداءات الاحتلال، وهنا تُطرح تساؤلات مشروعة، حول متى وكيف وآلية التعامل مع اعتداءات الاحتلال في الضفة والقدس وفي الداخل المحتل، خاصة مع تصاعد اعتداءات الاحتلال.
كل ذلك يخضع للنقاش هو وضع قواعد للعمل المقاوم، في مقدمتها تطور العمل المقاوم في الضفة، وخاصة أنه وصل إلى مرحلة كنا ننتظرها منذ سنوات طويلة، والخشية من أن أي تحرك آخر يؤثر على هذا التقدم، وخاصة مع شراسة العدوان الذي يشنه الاحتلال على المقاومين ومناطق نابلس وجنين والقدس، وهل تدخل المقاومة في غزة للرد على عدوان الاحتلال سيصعد المقاومة في الضفة أم سينقلها إلى غزة، وتنتهي بانتهاء أي مواجهة.
وخاصة أننا شهدنا تحولًا مهمًا في المواقف العربية والدولية المنددة بجرائم حكومة نتنياهو اليمينية الفاشية، والجرائم التي يرتكبها، إضافة إلى انكشاف عورة حكومة الاحتلال أمام المجتمع الدولي، بعد حكومة كانت تسمى يسارية -كذبًا- وكانت تمارس القتل والإرهاب، في حين تفتتح لها الدول العربية أبوابها للتطبيع.
التطور النوعي للمقاومة في الضفة ليس بعيدًا عن دعم المقاومة في غزة على جميع الصعد المادية، وهو ما يريده الاحتلال، وإنهاء ظاهرة المقاومة في الضفة، وقطع خط التواصل بين غزة والضفة، وعزل المقاومة في غزة عن التدخل، ومنع تكرار معركة سيف القدس.
وضع برنامج وطني للتعامل مع جرائم الاحتلال، هو السبيل لتحديد قواعد الاشتباك، سواء استمرار مشاغلته أو ردعه، أو الدخول بمواجهة، وإبقاء الباب مفتوحًا أمام جميع الخيارات، لكن بما يحافظ على استمرار جذوة المقاومة في الضفة، ومنع توقفها، بل الذهاب نحو تطوير نقاط الاشتباك، وانتقال العمل إلى داخل مدن الاحتلال كما فعل خيري علقم أمس، وضياء حمارشة، ورعد خازم، وغيرهم من المقاومين، ومهاجمة نقاط الاستيطان ومواقعه، كما فعل الشهيدان جمال ومحمد عابد، وبناء بنية تحتية قوية قادرة على تطوير عملها المقاومة كما عرين الأسود، وما نجح مصعب اشتية ورفاقه في إنجازه، في بناء قوة عسكرية قادرة على مواجهة الاحتلال.
وفي السياق يُطرح تساؤل كبير حول دور السلطة وما المطلوب منها، خاصة أنها كانت خنجرًا في خاصرة المقاومة في الضفة، وتُجاهِر بذلك، بل أنها تساهم في تغول الاحتلال على المدن الفلسطينية، عبر محاولة تفكيك مجموعات عرين الأسود واستمرار اعتقال المقاومين، كما الحال مع مصعب اشتية، واستمرار سياسة التنسيق الأمني، التي يوفر غطاء للاحتلال في ارتكاب جرائمه.
عملية خيري علقم رسالة واضحة أن المقاومة هي السبيل الوحيد في التعامل مع جرائم الاحتلال، وأن العملية وضعت المسمار الأول في الحكومة اليمينية الفاشية التي تريد أن تبني سياستها على القتل والإرهاب، وأن قواعد الاشتباك بين المقاومة ستتغير وينتقل الفعل المقاوم داخل مدن الاحتلال.