نشر موقع "ذا كونفرسيشن" الأسترالي مقال رأي لنائب رئيس قسم إدارة الأعمال في جامعة تورو مايكل هامفريز تحدّث فيه عن العواقب الاقتصادية الوخيمة التي يمكن أن تنجرّ عن تخلّف الولايات المتحدة عن سداد دينها القومي.
وقال الكاتب، في مقاله، إن الجمهوريين الذين استعادوا الأغلبية في مجلس النواب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، يُهدّدون بعدم السماح بزيادة سقف الدين ما لم يقترن بتخفيضات غير محدّدة في الإنفاق. واتخاذ هذه الخطوة، يزيد من خطر وقوع الحكومة الأمريكية في مأزق التخلف عن السداد. ويبدو أن اتباع سياسة حافّة الهاوية مع سقف الديون بات عادة لدى الحكومات الأمريكية، مثلما حدث في عهد إدارة كلينتون سنة 1995، وإدارة أوباما في 2011، وإدارة بايدن في سنة 2021.
وبصفته خبيرًا اقتصاديًا، يعرف الكاتب ما يمكن أن ينجم عن التخلف عن سداد الدين القومي من عواقب واقعية، ومجرّد التهديد بدفع الولايات المتحدة نحو التخلف عن السداد سيكون له تأثير على الاقتصاد. وفي آب/ أغسطس 2021، أدى احتمال حدوث تخلف عن السداد إلى خفض غير مسبوق للتصنيف الائتماني للدولة مما أضر بالمكانة المالية للولايات المتحدة وتسبب في خسائر لعدد لا يحصى من الأفراد بمن فيهم المتقاعدون. وسيكون للتخلف الفعلي عن السداد ضرر أكبر.
انهيار الدولار
من المحتمل أن تكون النتيجة الأكثر خطورة للتخلف عن السداد انهيار الدولار الأمريكي وفقدان مكانته ودوره في المبادلات التجارية والمعاملات المالية العالمية. وعدم إدراك معظم الأمريكيين للقوة الاقتصادية والسياسية لامتلاك عملة احتياط عالميّة. تتم أكثر من نصف مبادلات التجارة العالمية - من النفط والذهب إلى السيارات والهواتف الذكية - بالدولار الأمريكي. ونتيجة هذه الهيمنة، تُعد الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي يمكنها سداد ديونها الخارجية بعملتها الخاصة، الأمر الذي يمنح كلاً من الحكومة الأمريكية والشركات الأمريكية حيّزا كبيرا في التجارة والتمويل الدوليين.
وحسب الكاتب فإنه بغض النظر عن مقدار الديون التي تدين بها الحكومة الأمريكية للمستثمرين الأجانب، يمكنها ببساطة طباعة الأموال اللازمة لسدادها - مع أنه ليس من الحكمة القيام بذلك لأسباب اقتصادية. وفي حين يتعين على الدول الأخرى شراء الدولار أو اليورو لتسديد ديونها الخارجية إما عن طريق زيادة التصدير على حساب التوريد أو اقتراض المزيد من الدولارات أو اليورو في السوق الدولية، يمكن للولايات المتحدة التي لا تكبلها مثل هذه القيود تسجيل عجز تجاري كبير لعقود دون أن تُواجه نفس العواقب.
وأضاف الكاتب أن هيمنة الدولار تحمي الشركات الأمريكية من مخاطر سعر الصرف على عكس منافسيهم الأجانب. ونظرًا لأن التجارة الدولية مقومة بالدولار، يمكن للشركات الأمريكية القيام بعمليات الشراء والبيع بعملتها الخاصة، وهو ما لا يستطيع منافسوها الأجانب القيام به بسهولة، ما يمنح الشركات الأمريكية ميزة تنافسية هائلة.
ولكن إذا ما دفع الجمهوريون الولايات المتحدة إلى التخلف عن السداد، فمن المحتمل أن يفقد الدولار مكانته العالمية وتصبح الحكومة والشركات مجبرةً على دفع فواتيرها الدولية بعملة أخرى.
فقدان السلطة السياسية أيضًا
بما أن معظم مبادلات التجارة الخارجية مقوّمة بالدولار، تمر هذه المبادلات من خلال بنك أمريكي في مرحلة ما. وهي إحدى الطرق المهمة التي تمنح بها هيمنة الدولار الولايات المتحدة قوة سياسية هائلة، لا سيما لمعاقبة المنافسين الاقتصاديين والحكومات غير الصديقة. فمثلا، عندما فرض الرئيس السابق دونالد ترامب عقوبات اقتصادية على إيران مانعا وصولها إلى البنوك الأمريكية والدولار، دخلت البلاد في ركود عميق لتخسر عملتها 30 بالمائة من قيمتها. وقد فعل الرئيس بايدن شيئًا مشابهًا،عندما ساعد في الحد من وصول روسيا إلى الدولار مما دفع البلاد نحو الركود. ومثل هذا الألم الاقتصادي لا يمكن لأي بلد سوى الولايات المتحدة أن يسببه لبلد آخر.
مكافأة المنافسين
تتمثل النتيجة الأخرى لانهيار الدولار في تعزيز مكانة الصين باعتبارها أكبر منافس للولايات المتحدة على النفوذ العالمي. ومع أنه من المرجح أن يحل اليورو محل الدولار باعتباره عملة رئيسية في العالم، إلا أن هذا يعني أن اليوان الصيني سوف ينتقل إلى المركز الثاني.
وأشار الكاتب إلى أن تحول اليوان إلى عملة دولية سيعزز مكانة الصين العالمية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، حيث تعمل الصين مع دول البريك الأخرى - البرازيل وروسيا والهند - لقبول اليوان كوحدة حساب عالمية. ومع استياء الثلاثة الآخرين بالفعل من الهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، فإن تخلف الولايات المتحدة عن السداد سيدعم هذا الجهد. وقد أعلنت المملكة العربية السعودية، في الآونة الأخيرة، انفتاحها على تداول البعض من نفطها بعملات أخرى غير الدولار - وهو ما من شأنه تغيير السياسة القائمة منذ فترة طويلة.
عواقب وخيمة
إلى جانب التأثير على هيمنة الدولار والنفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة، من شأن التخلف عن السداد أن يؤثر على عدد لا يحصى من الناس. قد يعاني عشرات الملايين من الأمريكيين وآلاف الشركات التي تعتمد على الدعم الحكومي، ومن المرجح أن يغرق الاقتصاد في ركود، ومن المرجح أن تنخفض قيمة المعاشات التقاعدية.
ويقرّ الكاتب بأنه لا أحد يعرف ما سيحدث أو إلى أي مدى يمكن أن يسوء الوضع. وفي الحقيقة، من الصعب احتساب حجم الضرر الناجم عن التخلف عن السداد في الولايات المتحدة لأنه لم يسبق أن حدث من قبل. ولكن الحقيقة الوحيدة المؤكدة أنه إذا تمادى الجمهوريون أكثر في هذا التهديد فإن معاناة البلاد وشعبها ستكون كبيرة.