بات العالم على موعد قريب من انتخابات الرئاسة الأمريكية، التي ستفرز عن الرئيس القادم للولايات المتحدة، وسيحدد مسار تعامله مع القضية الفلسطينية والشرق الأوسط بشكل عام، في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام، وزيادة التصعيد على جبهة لبنان ومع إيران.
ويشكل فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب أو المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، نقطة أساسية في تحديد التأثير المتوقع على مستقبل القضية الفلسطينية والشرق الأوسط؛ نظرا لأن الأول اهتم كثيرا بهذه المسائل في فترة رئاسته الأولى للبيت الأبيض.
وكانت السعودية هي الزيارة الخارجية الأولى لترامب بعد تسلمه منصب الرئيس، فيما ساهمت العلاقات الشخصية له ولصهره ومستشاره جاريد كوشنر مع قادة المنطقة، في صياغة قرارات كبرى، وصولا إلى بلورة ما تسمى "صفقة القرن".
وفتحت هذه الصفقة السياسية الباب على مصراعيه في تطبيع علاقات عدد من الدول العربية مع الاحتلال الإسرائيلي، بل كانت تطمح إلى إحداث تحول جوهري في القضية الفلسطينية.
تفاصيل الصفقة
نصت الصفقة على استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم مناطق الضفة الغربية التي جرى احتلالها عام 1967، وضم الكتل الاستيطانية الضخمة في الضفة الغربية إلى "دولة إسرائيل"، وبقاء مدينة القدس موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية.
وفي حينها، تعهدت إسرائيل بالحد من النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية لمدة أربع سنوات، وهي الفترة الممنوحة للجانب الفلسطيني، كي يقر الدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لتطبيق الخطة.
لكن الفلسطينيين، وفي مقدمتهم السلطة الفلسطينية، رفضوا هذه الصفقة، وباتت قضية الاستيطان موضع تنفيذ كبير بعد رحيل ترامب، وفي ظل قدوم حكومة يمينية إسرائيلية متطرفة، وارتفعت وتيرتها إلى مستويات غير مسبوقة.
ولم تتوقف مشاريع الاستيطان على مدار السنوات الماضية، وأصبحت تتغلغل أكثر فأكثر في مناطق الضفة والقدس المحتلة.
وبالعودة لـ"صفقة القرن"، فقد تضمنت أن الدولة الفلسطينية سيكون لها عاصمة تحمل اسم القدس في أي مكان آخر، لكن لا علاقة له بمدينة القدس، التي ستبقى موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية وعاصمة لها، وستضم العاصمة الفلسطينية بعض الضواحي النائية من القدس المحتلة.
وتحفظ الصفقة للأردن مسؤولياته تجاه المسجد الأقصى في القدس، مع إبقاء الوضع على ما هو عليه، وضمان الاحتلال الإسرائيلي حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين واليهود والديانات الأخرى.
لكن على الأرض، اخترقت قوات الاحتلال الوصاية الأردنية وزادت من اعتداءاتها للمسجد الأقصى، وقامت بتأمين وتسهيل اقتحامات المستوطنين، وتصاعدت الجرائم الإسرائيلي بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
خطوات متوقعة
ومن المتوقع أن يستكمل ترامب بحال وصوله إلى الرئاسة، قطار التطبيع الذي بدأه في الولاية الأولى، وخاصة فيما يتعلق بتطبيع الاحتلال مع السعودية، ويشير دائما إلى أنه حقق حينما كان في منصب الرئيس إنجازا دبلوماسيا كبيرا، حينما رعت إدارته تطبيع أربع دول عربية، هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
ويتعهد ترامب باستكمال اتفاقيات أخرى مشابهة بحال عاد إلى الرئاسة، إلى جانب إعلانه بأنه سيلتزم بسياسة التشديد والضغط، التي كان يتبعها ضد إيران، وتخللها انسحابه من الاتفاق النووي مع طهران.
ويرى مراقبون أن ترامب سيواصل فرض عقوبات اقتصادية على إيران، بالنمط نفسه الذي اتبعه في الولاية الرئاسية الأولى، لكن لا يعني ذلك الوصول إلى حرب شاملة، فقد ألمح المرشح الجمهوري أنه ينوي التوصل إلى اتفاق مع طهران، لكن بشروطه هو.
وفي نهاية ولايته، قرر ترامب الانسحاب من سوريا، لكنه تراجع عن ذلك تحت ضغط القادة العسكريين؛ ومن ثم قد تشكل هذه النقطة بداية لاستكمال هذا القرار في ولايته الثانية، وربما يمتد هذا الانسحاب إلى العراق.
والسؤال الأخير، هل سيشكل فوز ترامب عاملا لإنهاء حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة؟ أم دافعا لاستكمال قادة الاحتلال لمخططات التهجير وفرض البنود التي لم يستطع تحقيقها من "صفقة القرن" في ولايته الأولى؟