كشف تحقيق استقصائي لبرنامج “ماخفي أعظم” على قناة الجزيرة في حلقته التي أذيعت مساء اليوم الجمعة، عن تفاصيل غير مسبوقة ومعطيات حصرية تتعلق بأحداث أمنية كبيرة عصفت بتونس خلال السنوات الأخيرة، حيث أكد تورط قادة أمنيين بتونس في عمليات تسفير مقاتلين تونسيين للقتال في سوريا.
ما خفي أعظم يكشف خبايا قضايا “التسفير” في تونس
ونشر برنامج “ما خفي أعظم” الذي تبثه قناة “الجزيرة“، من إعداد الصحفي الفلسطيني”تامر المسحال“، تسريبات صوتية للنقابي الأمني عصام الدردوري، تؤكد تورطه بقضية تسفير مقاتلين تونسيين للخارج.
وتطرقت التسريبات الصادمة إلى أن رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطنة، كان على تواصل مع شخص لبناني غامض يدعى محمد علي إسماعيل ويعمل لصالح النظام السوري.
وأشارت ذات المعطيات المسربة إلى انخراط الدردوري في استئجار طائرات تونسية وتسريب معلومات أمنية حساسة، من بينها قائمة أسماء لعناصر سريين جندهم الأمن التونسي خارج الحدود، وهذه التسريبات تعزز التخابر مع جهات خارجية وتسريب معلومات أمنية سرية إلى الخارج.
عصام الدردوري هو شخصية أمنية يلفها الكثير من الجدل، وعلى غرار اتهامه بتسريب مكالمات حساسة مع مسؤولين أمنيين سابقين، رُفعت ضده قضايا عدة، وتصدر هذا الشخص المشهد التونسي في ملف “التسفير”، يؤكد التحقيق.
وأماط التحقيق الاستقصائي اللثام، لأول مرة، عن وثائق مسربة تؤكد تورط قادة أمنيين تونسيين في إدارة عمليات مسلحة وهمية في البلاد.
أمني يقوم بهرسلة للقضاء ويُجند عملاء مسلحين ضد الدولة
تضمنت تلك الوثائق معلومات عن تجنيد ضباط بالحرس الوطني التونسي عناصر مهمتها اختراق جماعات لتنفيذ عمليات مسلحة.
إحدى تلك الوثائق، تظهر أن الدردوري تقدم بشكوى ضد أحد المدعين العامين وهو حافظ العبيدي، واتهمه بالاعتداء على فتاة قاصر عام 2016.
قبل أن يتبين لاحقاً أن القاضي كان مسؤولا مباشرا عن التحقيق في عمليات أمنية عصفت بالبلاد بين عامي 2015 و2016، أهمها عمليتي “المنيهلة” و”متحف باردو”، واعترفت الفتاة لاحقا بأن الدردوري استغلها كعنصر اختراق، حسب قولها، واتهمته بالتحرش بها.
وهو بالفعل ما أكده رئيس فرقة الأبحاث في الإدارة العامة للسجون سابقا هيكل دخيل في شهادته لبرنامج ماخفي أعظم، وقال أن المتورطين في عملية “المنيهلة” -التي وقعت في مايو/أيار 2016- هم قيادات أمنية تابعة للحرس الوطني التونسي.
اختراق جماعات مسلحة
سمير بن عمر -وهو حقوقي ومستشار رئاسي سابق- قدم شهادته في التحقيق وقال إن الدردوري، نقابي أمني كان يشتغل في النقابات الأمنية، وقام بتأسيس جمعية لها علاقة بالأمن.
وأضاف إنه كان (أي الدردوري) إحدى الأدوات التي تستعملها بعض الجهات لشيطنة المشهد السياسي وضرب بعض الجهات السياسية والأمنية.
وأكد بن عمر في سياق حديثه إن هذا الرجل هو خنجر في قلب التجربة التونسية تم استعماله أسوأ استعمال من طرف الدولة العميقة لعرقلة مسار الثورة وتشويه المشهد السياسي.
وفي هذا السياق، تأتي شهادة سرية أخرى حصل عليها “ماخفي أعظم” من عنصر اختراق تم تجنيده من قبل الأمن التونسي، حيث تم تكليفه -كما يقول- بنقل الأموال والمسلحين المطلوبين بين ليبيا والجبال الحدودية التونسية.
وكشفت البرنامج كيف قام جهاز الحرس الوطني بتجنيد التونسية زينب كشرود لإيصال أموال إلى الجماعات المسلحة في الجبال على الحدود التونسية الجزائرية، لكنها اعتقلت من قبل الأمن الجزائري.
وعرض البرنامج شهادة عنصر اختراق تابع للحرس الوطني التونسي يؤكد فيها أنه بين نار الإرهاب وتجاهل الدولة ويطلب الحماية من الدولة.
تونس على شفير ساخن منذ سنوات
ويأتي نشر هذا التحقيق، في ظل ظرفية سياسية حساسة يعيشها المشهد التونسي في الوقت الحالي، تجلت خاصة في استقطاب حاد بين مختلف الفرقاء السياسيين.
وكان ملف “التسفير” واحد من أكثر الملفات الحارقة لدى الرأي العام الشعبي والرسمي في تونس، واستدعى القضاء في إطار التحقيق فيه، شخصيات من الإعلام وكتى القضاء في ذروة الانقسام السياسي.
حيث اتُهم مسؤولون ونواب سابقوز ورجال أعمال -جميعهم محسوبون على المعارضة- بتسهيل سفر شبان تونسيين بعد الثورة التونسية للانضمام إلى المقاتلين في ما تسمى بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا.
زاد من تعكير الوضع السياسي، اتهامات الرئيس التونسي قيس سعيّد المتكررة بتصفية حسابات سياسية عبر القضاء مع معارضيه، وفتح ملفات ضدهم، في الوقت الذي يصمت فيه عن ملفات أخرى لا تزال تثير كثيرا من الجدل وعلامات الاستفهام حولها.
ملف الاغتيالات بشكل خاص، تصدر طيلة السنوات الأخيرة في تونس المشهد العام، من حيث المتدخلين فيه ولكن أيضاً في علاقة باستغلال أطراف سياسية كثيرة لتلك الحوادث في معارك وتجاذبات سياسية خطيرة.