ظهر منذ البداية فور إعلان نتائج الانتخابات الإسرائيلية أننا أمام كنيست جديدة من نوعه، ليس فقط في الفوز الكاسح لمعسكر اليمين الفاشي، الذي كشف عن مخططاته العنصرية ليس تجاه الفلسطينيين فحسب، بل أمام قطاعات إسرائيلية واسعة، رغبة من هذا المعسكر بالوصول إلى حكم الشريعة اليهودية التلمودية.
أكثر من ذلك، فإن المتابع لما تبثه وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولا سيما قناة الكنيست التلفزيونية، من جلساته الرسمية ومداولات لجانه البرلمانية، سيصاب بالصدمة مما يرى ويشاهد ويسمع، بسبب ما وصل إليه أعضاؤه من مستوى وضيع من التخاطب، واستخدام المفردات النابية.
وقد عبرت أوساط قانونية وبرلمانية إسرائيلية عن خيبة أملها مما تشهده الكنيست من حوادث وصفتها بـ"المخزية"، عقب اختراق جميع الخطوط الحمراء من عدة أشهر فقط من فوز اليمين أوائل نوفمبر، وهناك من يخشى أن تتزايد حدة العنف بين أعضائه أيضًا، مع العلم أنه على مرّ السنين شهد الكنيست العديد من موجات التوتر، والمعارك السياسية، وتبادل البيانات القاسية بين أعضائه من جميع أطراف الطيف السياسي، ولكن دون لغة فظة وعنيفة وصلت مؤخرا حدّ الصراخ، الذي أصبح روتينيًّا مؤخرًا.
لقد حطّم الكنيست الخامس والعشرون الذي بدأ رحلته قبل بضعة أشهر فقط أرقامًا قياسية جديدة من العار في وقت قصير، وقد تصدّر القائمة عدد من أعضاء الكنيست، ولا سيما من أحزاب "العصبة اليهودية والصهيونية الدينية، والليكود"، ممن استخدموا شتائم يعاف المرء ترديدها، فضلًا عن كتابتها، ومنها "نازي، وخائن، وفاشي، وابن ...، طابور خامس"، وهذه أوصاف غير لا يمكن تجاوزها، وفق التوصيف الإسرائيلي
عديدة هي مفردات قاموس الألفاظ النابية التي يرددها أعضاء الكنيست في الجلسات الأخيرة، التي تعبر عن انحطاط قيمي وسوء أخلاق معيب بحق من يفترض أنهم نخبة المجتمع الإسرائيلي، فضلًا عن أحداث الشغب والاشتباك بالأيدي، وصولًا إلى قلب طاولة الاجتماعات في واحدة من الجلسات، ما دفع أمن الكنيست إلى تفتيش أعضائه عند مدخل الجلسة بشكل غير مسبوق؛ خوفا من حصول ما لا يحمد عقباه، وأعلن رئيس الكنيست أن هذا التفتيش سيكون رسميًّا من الآن فصاعدًا.
تكشف مثل هذه المستويات الدنيئة من الأخلاق السائدة بين نواب الكنيست عن انتقال نظرتهم الدونية لغير اليهود من الفلسطينيين والعرب إلى الإسرائيليين أنفسهم، وهي عدوى مرضية قاتلة، ما يكشف عن فقدانهم للطريق الصحيح نحو مستقبل هذه الدولة، وصولًا إلى حدّ اندلاع "حرب الأشقاء".
في أثناء كل هذه الأحداث المتلاحقة يمكن الحديث بكثير من الثقة أن الإسرائيليين يعترفون بعدم وجود مستقبل مشترك لهم، الذين سيبقون منقسمين، ما قد يجعلهم غير قادر على تجاوز هذه الصعاب، في حال تفاقمها، ويجعلهم يقتربون من الحدود الخطرة، وصولًا إلى ما يعيشونه من أوقات مضطربة.