وحتى يدلل أوباما على صدق توجهاته الشخصية تجاه نتنياهو، فإنه حرص من خلال المقابلة على الإشارة إليه باسم الدلع المفضل لديه "بيبي". ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل إن أوباما حرص خلال المقابلة على التزلف لرجل الشارع الصهيوني؛ من خلال التعبير عن شوقه إلى لقاء الإسرائيليين في شوارع وبارات "تل أبيب".[title]تبخرت فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية[/title] لقد صعدت مؤشرات الارتياح والطمأنينة في ديوان نتنياهو إلى أكبر مستوى، لدرجة أنه لم يعد رئيس الوزراء الصهيوني يدرس طرح فكرة صيغة المساومة التي كان يخطط لعرضها على أوباما؛ من أجل استئناف المفاوضات مع السلطة، حيث كان نتنياهو يخطط للاقتراح على أوباما أن ينقل لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اقتراحاً، مفاده أنه مقابل قبول السلطة الفلسطينية ببقاء المستوطنات اليهودية في جميع أرجاء الضفة الغربية، وتواصل البناء فيها، يمكن لـ"إسرائيل" أن تعترف بالدولة الفلسطينية كما اعترفت بها الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح يحتوي على قدر كبير من المراوغة والخداع، إلا أن ما دفع نتنياهو إلى التفكير بطرحه خلال زيارة أوباما، كان خشيته من أن يحرجه الرئيس الأمريكي أمام الرأي العام الإسرائيلي الداخلي، ويضغط عليه، بل يساومه بحيث يخيره بين تغيير سلوكه تجاه المفاوضات مع السلطة والمخاطرة بتقليص جدي في المساعدات الأمريكية لـ"إسرائيل". لكن في أعقاب الرسائل التي بعث بها أوباما، فإنه بات في حكم المؤكد لدى نتنياهو أنه لم يعد من الضروري الخروج عن إطار الرتابة القائم، وطرح فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.[title]أوباما يعزز خطاب اليمين المتطرف[/title] لقد شكل ما جاء على لسان أوباما خلال المقابلة، تعزيزاً غير مسبوق للخطاب السياسي لنتنياهو ولليمين المتطرف في الكيان الصهيوني، بشقيه العلماني والديني. فقد خرج أوباما خلال المقابلة عن طوره وهو يحاول التأكيد أنه بغض النظر عن أي سلوك تقدم عليه الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين أو بقية الأطراف العربية، فإنه ليس في حكم الوارد بالنسبة للولايات المتحدة أن تتخذ من هذا السلوك مسوغاً للمس بالعلاقة مع "إسرائيل" بحال من الأحوال. وعلى الرغم من أن يونيت ليفي حاولت أن تجعل الأمور أكثر صعوبة على أوباما خلال المقابلة؛ من خلال لفت نظره إلى حقيقة أن "إسرائيل" –وبخلاف موقف العالم والمجتمع الدولي– تواصل الاستيطان والتهويد، بل إنها ذكرته ببعض مواقفها السابقة التي عبر خلالها عن رفضه الاستيطان، لكن أوباما تجاهل كل هذه الإشارات! وشدد على أن كل ما تقدم يأتي في إطار الخلافات الثانوية التي تنشب بين الحلفاء. إن ما ورد على لسان أوباما كان عملياً دعوة صريحة لحكومة اليمين المتطرف التي أعلن عن تشكيلها في "تل أبيب" إلى مواصلة مشاريع الاستيطان والتهويد، وفي الوقت ذاته التعبير عن مواقف متشنجة من التسوية مع الفلسطينيين، دون أن تخشى بحال من الأحوال ردة فعل أمريكية مهما كانت متواضعة. تعهد باحتواء تداعيات "الربيع العربي".وكما هي العادة، فقد حرص أوباما على طمأنة نتنياهو والإسرائيليين بشكل عام أن الولايات المتحدة ملتزمة بعدم السماح بامتلاك إيران سلاحاً نووياً، وليس هذا فحسب، بل إن أوباما أكد أن الولايات المتحدة تتجه للدفع بمزيد من العقوبات الاقتصادية الهادفة إلى إقناع القيادة الإيرانية بترك المسار البرنامج النووي الذي قد يفضي إلى امتلاك طهران قوة نووية. وحرص أوباما خلال المقابلة على طمأنة الإسرائيليين، بأن درجة التنسيق بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" بشأن سبل مواجهة البرنامج النووي الإيراني كبيرة جداً. ودون أن يذكر ذلك صراحة، فقد كان من الواضح أن أوباما يقصد بالتحديد التعاون الأمريكي الإسرائيلي في مجال الحرب الإلكترونية التي تشن حالياً على المرافق النووية الإيرانية. ولم يفت أوباما طمأنة الإسرائيليين -أيضاً- على أن مخاوفهم من التحولات في العالم العربي، التي عكستها ثورات "الربيع العربي" يجب ألا تقلق الكيان الصهيوني؛ بزعم أن كل ما يهم الشباب العربي الثائر أن تحقق بلاده نمواً اقتصادياً، متجاهلاً أي ربط بين القضية الفلسطينية والثورات العربية. وألمح أوباما من طَرْفٍ خفي إلى أن الولايات المتحدة عملت في الماضي، وستعمل في المستقبل، على احتواء أي تطور يمكن أن ينعكس سلباً على "إسرائيل"؛ جراء التحولات الحاصلة في العالم العربي. قصارى القول أن أوباما حرص خلال مقابلته على اجتثاث مخاوف "إسرائيل" إزاء نواياه تجاهها؛ وبالتالي فإن أوباما أحرج رئيس السلطة محمود عباس، وعرى الرهان على الدور الأمريكي. لقد كان لسان حال أوباما يقول للصهاينة: افعلوا ما يحلو لكم.. وللفلسطينيين: اجلسوا بصمت.