انتهى العدوان الإسرائيلي على غزة، على الرغم مما يدّعيه من تحقيق إنجازات تكتيكية، واستخباراتية تمثلت باغتيال نخبة من قادة المقاومة، لكن الأصوات الإسرائيلية تتزايد بضرورة إعادة التفكير في الإستراتيجية المطلوبة تجاه غزة، لأنه لا يمكن الاعتماد على ما يعتبره جملة من روافع الضغط على المقاومة، لأنها لم تعد تجدي مع مرور الوقت، ولا يضمن أنه في المواجهة القادمة ستتّسع رقعة المشاركة الميدانية.
فور اندلاع العدوان، كان اهتمام المخابرات الإسرائيلية بغزة في ذروته ترقّبًا للرد الفلسطيني على جريمة الاغتيال، مع أنه من وجهة نظرها، كان يمكن أن ينتهي بعد خمس دقائق من تنفيذ الجريمة، لكن انتظار المقاومة الطويل فاجأ الاحتلال، على الرغم مما يدّعيه من قدرته على جمع المعلومات بشكل كبير من داخل غزة، لكنه شعر بالصدمة التي لم يتم تقديرها بشكل صحيح من عدم رد المقاومة السريع والمتوقع، هذه المفاجأة الأولى.
المفاجأة الثانية التي أصيب بها الاحتلال، أنه على الرغم من زعمها تحقيق نجاحات عملياتية واستخبارية، لكنه شعر بعد خمسة أيام من العدوان أنه مطالب بالحذر من أي تراخٍ، ورضًا عن النفس، في ضوء التصريحات المبالغ فيها عن الضربات التي وجهتها للمقاومة.
ثالث هذه المفاجآت التي حملها العدوان أن هناك ما يمكن وصفه بـ"خجل" أصاب الكثير من المسئولين العسكريين والأمنيين لدى الاحتلال مما يصفونه بالنجاح التكتيكي الحالي، الذي من غير المرجح أن تبقي مفاعليه طويلًا حتى الجولة التالية من العدوان، بدليل أنه يجد نفسه منذ سنوات طويلة في كل مرة متورّطًا في جولة جديدة من المواجهة، ما يستدعي منه إعادة التفكير في الإستراتيجية القائمة ضد غزة.
مفاجأة رابعة وقع بها الاحتلال، مفادها اعتقاده الخاطئ بأن سياسة الإغاثة الاقتصادية لقطاع غزة أوجدت قوة ضغط كبيرة على المقاومة، من خلال دخول 17 ألف عامل يذهبون إلى العمل في الداخل المحتل كل يوم، وفتح معابر البضائع، لكن لا يزال من المستحيل الاعتماد على هذا العامل وحده، ولفترة طويلة، فلا أحد يضمن عدم انخراط كل قوى المقاومة، بقدّها وقديدها، تلميحًا وتصريحًا، في المواجهة القادمة، بدليل أنها لا زالت تستعد ليوم إصدار الأمر.
المفاجأة الإسرائيلية الخامسة تتمثل في الادعاء بمحاولة تشبيه ما حصل في الضفة الغربية في 2002، مع ما شهده قطاع غزة خلال الحروب العدوانية الأخيرة، والزعم أن ما نجحت به في عملية "السور الواقي" من تثبيت للوضع الأمني، وإحداث تحسن كبير في الحكم والسيطرة على الأرض، يمكن تكراره في الجولات القتالية التي شهدتها غزة، ولا سيما حرب الجرف الصامد 2014، لكن استمرار الجولات القتالية اللاحقة أثبتت أن العمل العسكري في القطاع قصة مختلفة تمامًا.