نشرت كوثر فرجاني، ابنة القيادي بحركة النهضة التونسية السيد فرجاني، الموقوف في تونس منذ 27 شباط/ فبراير الماضي، رسالة مؤثرة بمناسبة عيد الآباء، الذي تزامن مع الأحد 18 حزيران/ يونيو الجاري.
وقالت في رسالتها، التي نشرتها عبر الجزيرة الإنجليزية، إنه "عندما يقترب عيد الأب، كنت غالبًا ما أزعج والدي بأن كل يوم هو عيد الأب. كان يضحك. في عيد الأب نفسه، كنت أتصل به، ونجري محادثة وأقول له إنني فخور بأنه والدي".
وأضافت: "في عيد الأب هذا، لن يكون هناك مضايقات ولا مكالمات ولا رسائل ولا ضحكات. في عيد الأب هذا، أنا وإخوتي نصلي من أجل أن يخرج والدنا من السجن سالمًا".
وتابعت: "والدنا، السيد فرجاني، اعتقل في تونس في 27 شباط/ فبراير الماضي، وهو عضو في حزب النهضة، وهو واحد من عشرات الشخصيات المعارضة البارزة الذين تم اعتقالهم في حملة الرئيس قيس سعيّد الأخيرة على المعارضة".
وأوضحت أنه لم يتم توجيه أي تهم إليه ولم يتم اتهامه رسميًا بأي شيء، معتبرة أن "جريمته الحقيقية هي حب بلاده أكثر من اللازم ومعارضة عودة الاستبداد إليها".
وأشارت كوثر فرجاني إلى أن والدها محتجز حاليًا في زنزانة بها 120 شخصًا في ظروف بغيضة، مشيرة إلى أن بعض السجناء مجرمون متوحشون وغالبًا ما يهاجمون الآخرين.
وقالت: "بدأ والدي إضرابًا عن الطعام عندما سُجن لأول مرة، لكنه اضطر إلى كسره لأن صحته تدهورت بسرعة وتم نقله إلى المستشفى. بعد إعادته إلى السجن، أصيب بالتهاب الشعب الهوائية بسبب ظروف الزنزانة الرطبة والتدخين المستمر من قبل المعتقلين الآخرين. تم نقله إلى المستشفى مرة أخرى ثم أعيد بجهاز استنشاق لم يكن بحاجة إليه من قبل. هذا حقا يقلقنا".
وقالت كوثر فرجاني إن كابوس الأشهر الأربعة الماضية أعاد ذكريات أخرى تعود إلى أكثر من 30 عامًا، حين كان والدها مسجونا في عهد الديكتاتور الراحل زين العابدين بن علي.
وفي شهادتها عن معاناة والدها في سجون ابن علي، قالت فرجاني إن والدها كان ضمن آخر المسجاني الذين أُطلق سراحهم في عام 1989، وخرج على كرسي متحرك، وكان الجلادون قد كسروا ظهره بسبب التعذيب.
وقالت: "كان اليوم الذي عاد فيه إلى المنزل من أسعد يوم في حياتي. لكن لم يعد بإمكاننا العودة إلى حياتنا كما كان من قبل".
وأشار إلى أن "والدي كان يعلم أن الأمر سيكون مسألة وقت فقط قبل أن يأتي نظام بن علي من بعده مرة أخرى، لذلك قرر مغادرة بلده الحبيب إلى المملكة المتحدة، وانضممنا إليه بعد ذلك بوقت قصير".
كان فرجاني، أحد الشخصيات البارزة في حزب النهضة، قد تعرض للاعتقال والتعذيب في السابق عندما كان الرئيس السابق زين العابدين بن علي في السلطة في تونس، ما أدى إلى نفيه في لندن لأكثر من 20 عامًا منذ عام 1989. وعاد إلى تونس بعد الإطاحة بنظام بن علي.
وفي وقت سابق، كشفت صحيفة "الغارديان" أن السيد فرجاني لم يطلب جنسية المملكة المتحدة رغم أنه قضى فيها أكثر من عقدين، وذلك بسبب التزامه تجاه بلاده تونس.
وفي رسالتها، قالت ابنته إن السيد فرجاني "كان مدافعًا نشطًا عن حقوق الإنسان في تونس وظل منتقدًا صريحًا لنظام بن علي، وكان يسافر حول العالم لحملة من أجل إطلاق سراح سجناء الرأي التونسيين ونشر الوعي بالديكتاتورية التونسية الوحشية".
وأضافت أنه "عندما أسقطت الثورة التونسية ابن علي في كانون الثاني/ يناير 2011، غادر والدي على الفور إلى تونس.، حيث سُمح أخيرا لحزبه، النهضة، بالمشاركة في الحياة السياسية بشكل قانوني وفاز بأول انتخابات ديمقراطية على الإطلاق في تونس".
وتابعت أنه "في عام 2019، قرر والدي الترشح لمقعد في البرلمان. أراد المساعدة في انتشال بلدته القيروان من الركود الاقتصادي والفقر بعد أن عانت عقودًا من الإهمال، وفاز بالمقعد وبدأ يسافر كل أسبوع إلى المدينة في سيارات الأجرة العامة المشتركة وعقد اجتماعات مع ناخبيه".
وبعد الإجراءات التي أعلن عنها سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021، شعر السيد فرجاني أنه سيُعتقل قريباً، حيث كان يعلم أنه مدرج على قائمة المستهدفين، وقد تم استجوابه مرارًا من قبل قوات الأمن، لكنه قرر عدم المغادرة هذه المرة، بحسب ابنته.
وقالت كوثر فرجاني: "بعد عودته من المنفى، اتخذ والدي قرارًا بعدم مغادرة تونس مرة أخرى أبدًا مهما حدث. عاد كرجل كبير السن وأراد أن يموت في بلده. كان النشاط والدعوة في المنفى للشباب وليس له".
وكشفت أنه "أثناء إقامته في المملكة المتحدة، تخلى والدي عن حقه في التقدم بطلب للحصول على الجنسية البريطانية رغم أنه كان يحق له الحصول عليها. لقد أراد معارضة بن علي باعتباره مواطنًا تونسيًا، والعودة كتونسي والمشاركة في السياسة التونسية بدون جواز سفر أجنبي ليكون بمثابة بطاقة للخروج من السجن مجانًا"، على حد قولها.
وتابعت: "قبل أيام قليلة من اعتقاله، أخبرنا والدي شيئًا كنا نعرفه بالفعل: أن هذه هي الحياة التي اختارها، وأن قراراته تتخذ على أساس المبادئ وليس الخوف، وأنه يريد الاستمرار في النضال من أجل الحرية والكرامة والحقوق التي يستحقها إخوانه التونسيين".
وأضافت: "في يوم اعتقال والدي، لم أستطع التنفس من الغضب والألم والحزن والظلم الذي شعرت به. أشعر وكأنني لم آخذ نفسًا كاملاً منذ ذلك الحين".
واعتبرت أنه "من أكثر الأشياء التي تزعجني هو أنه من السهل تجريد أشخاص مثل والدي من إنسانيتهم من خلال تسمية "إسلاميين". إن الالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان الذي أظهروه يتم تجاهله، وسرعان ما يتم تبرير وقبول سجنهم".
وقالت: "والدي ليس أتباعًا أعمى لأيديولوجية سياسية. إنه رجل مبدئي، مؤيد للحرية ومدافع لا يعرف الخوف عن الديمقراطية. وهو أيضًا أب رقيق ومحب، يغني أغاني لأطفاله بأسمائهم؛ الذي ينفجر في ضحك عندما نرد عليه بذكاء؛ من كان يبكي عندما لم نتصل به بما فيه الكفاية؛ الذي يشجع ابنته اللطيفة على أن تكون أكثر جرأة وصراحة، حتى عندما تنتقده وحزبه".
وأضافت: "يشرفني حقًا أن أعرف والدي، أن تكون ابنته، لأرى بأم عيني كم هو رجل مليء بالتناقضات الجميلة: رجل شجاع بما يكفي لتحدي الطغاة، ومع ذلك فهو ناعم بما يكفي للبكاء على أي قصة تبكي؛ رجل ذكي للغاية ومدرك ومع ذلك يثق بشدة لدرجة السذاجة؛ رجل لديه معتقدات راسخة ومستعد للاعتراف عندما يكون على خطأ".
وكشفت: "سُئلت عما إذا كنت قد ناشدت والدي يومًا بمغادرة تونس عندما علم أن اعتقاله وشيك. لم أفعل ذلك ولم يخطر ببالي قط، لن يخون قناعاته. أنا أحبه وأحترمه كثيرًا لفعل شيء كهذا".
وأردفت: "في عيد الأب هذا، أتمنى لو كنت مع والدي. أتمنى أن أحتضنه وأتحدث إليه وأسمع ضحكته المبتهجة. افتقده كثيرا. لكنني أشعر بالعزاء في حقيقة أنه حتى أثناء احتجازه جسديًا في زنزانته، يظل والدي الرجل الأكثر حرية الذي أعرفه".