زيارة رئيس السلطة محمود عباس لمخيم جنين بعد العدوان الأخير، وما سبق الزيارة من حملة اعتقالات سياسية وملاحقة بعد ذلك، تعطيان انطباعًا أن جنين ما زالت في دائرة الاستهداف، لكن بطريقة مختلفة، وخاصة بعد نشر الإعلام العبري عن منح السلطة فرصة جديدة لفرض سلطتها على جنين، والقيام بعمليات منسقة ضد المخيم في المرات القادمة.
ستُستخدم إعادة إعمار جنين بوابة تلج منها السلطة للمخيم، وخاصة استخدام الإعمار أداة لابتزاز المواطنين، كما حدث في غزة سابقاً، إضافة لإرعاب المواطنين بأن ثمن المقاومة هو التدمير وهدم المنازل، وإلا لماذا مسارعة السلطة لدخول مخيم جنين على الرغم من الرفض الشعبي الذي جرى لوفد فتح في أثناء تشييع جثامين شهداء المخيم بعد الاجتياح الأخير؟
يجمع كل جنرالات وقادة الاحتلال على فشل العدوان على مخيم جنين، وأن الفلسطينيين في المخيم ازدادوا قوة، وأن جيشهم خرج مهزومًا من المخيم، بل إن الحملة تسببت في وقوع ثلاث عمليات أدت لمقتل جنود ومستوطنين، ووقعت داخل مدن الاحتلال والمستوطنات في الضفة الغربية، وأن المقاومون في المخيم يحتفظون بقوتهم وصلابتهم، وسط حاضنة شعبية واسعة تقدم الدعم والعون لهم.
حملة التشويه التي شنتها السلطة ضد الإعلام الفلسطيني وضد النشطاء وضد قناة الجزيرة، على خلفية انتقادهم موقف السلطة من جنين، كشفت هشاشةَ موقف السلطة، الذي يسيطر عليه التشتيت والانفعال، ولجوءَها للعنف والاعتقال كما حدث مع الصحفي أحمد البيتاوي، والناشط المعروف عقيل عواودة، واستمرار اعتقال عشرات المقاومين في سجونها، وتعذيبهم، واستمرار التنسيق الأمني، وهذا يتناقض مع دعوة عباس لعقد اجتماع الأمناء العامين الذي يفترض أن تُهيَّأ أجواء مناسبة لعقده، ومناقشة ما قال إنه إستراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال وسياساته التي تستهدف الأقصى والقدس والضفة الغربية، في ظل حكومة التطرف اليمينية برئاسة نتنياهو.
يخشى الجميع أن الاحتلال يدبر أمرًا ما ضد مخيم جنين بعد الفشل الإسرائيلي، وبعد تهديدات رئيس وزراء الاحتلال ووزير جيشه بأنهم يمكن أن يعاودوا العدوان على المخيم، لكن هذه المرة بتوريط السلطة معهم في ذلك، وابتزازها بالمساعدات التي أعلن الاحتلال تقديمها لها؛ لضمان بقائها وعدم انهيارها.