نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقالا للمديرين المشاركين لمنظمة الأنهار الدولية، جوش كليم وإيزابيلا وينكلر، قالا فيه إن انهيار سدين في ليبيا، والذي أطلق العنان لمياه الفيضانات الغزيرة التي خلفت ما لا يقل عن آلاف الضحايا والمفقودين، كان من الممكن منعه رغم أنه كان متوقعا.
وذكر المقال، "أن سدي درنة لن يكونا آخر السدود الكبيرة التي تنهار إلا إذا قمنا بإزالة وإصلاح بعض الهياكل القديمة والمتقادمة التي تجاوزت تاريخ انتهاء صلاحيتها منذ فترة طويلة".
وأضاف: "مثل العديد من السدود حول العالم، تم بناء سدود وادي درنة في ليبيا في السبعينيات خلال عصر ذروة بناء السدود العالمية، حيث تم إنشاء 1000 سد كبير كل عام. والآن تصل معظم هذه السدود إلى نهاية عمرها الافتراضي".
وأشار المقال، "إلى أن التفاصيل لا تزال تتكشف، لكن يبدو أن انهيار سدي ليبيا قد نتج عن سوء الصيانة، وضعف مراقبة الخزانات التي غمرتها عاصفة ممطرة ضخمة".
وتابع، "صدرت تحذيرات حاسمة العام الماضي بشأن تدهور حالة السدين والإصلاحات اللازمة لتجنب مثل هذا السيناريو، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء".
وبحسب المقال، فإن كوارث مماثلة تنتظر الحدوث في جميع أنحاء العالم. ويكمن الخطر الأكبر في الهند والصين، حيث بدأت السدود الضخمة البالغ عددها 28 ألف سدا والتي بنيت في منتصف القرن العشرين بالتقادم.
ويبلغ عمر سد مولابيريار في ولاية كيرالا بالهند أكثر من 100 عام، وهو متضرر بشكل واضح ويقع في منطقة معرضة للزلازل. وسيؤدي انهياره إلى الإضرار بـ 3.5 مليون شخص في اتجاه مجرى النهر.
أما في الولايات المتحدة، ثاني أكبر دولة في بناء السدود بعد الصين، فيذكر كاتبا المقال أن متوسط عمر السدود يبلغ 65 عاما، وهناك ما يقدر بنحو 2200 هيكل معرضة بشدة لخطر الانهيار. ويخصص قانون البنية التحتية الأخير 3 مليارات دولار لصيانة بعضها، ولكن لا تزال هناك آلاف السدود التي لا تتحمل الحكومة الفيدرالية المسؤولية عنها، وسوف يتكلف إصلاحها ما يقدر بنحو 76 مليار دولار.
وأردف كاتبا المقال، أن المخاطر الناجمة عن السدود القديمة تمثل مصدر قلق خاص في مواجهة تغير المناخ، حيث تم تصميم السدود لتحمل أسوأ الظروف كما يمكن تخيلها وقت البناء، ولكن ما كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه أحداث مناخية تحدث مرة واحدة كل قرن بدأ يحدث بانتظام متزايد، ما يعرض السدود لخطر كبير إما بالفشل أو إضعاف بنيتها بشكل كبير.
ويضيف المقال الذي كتبه مختصان بالمياه والسدود، أن قبل الكارثة في ليبيا، كان الطقس القاسي الذي تفاقم بسبب تغير المناخ يؤثر بالفعل على هذه الهياكل حيث دمرت الأمطار الغزيرة سد أوروفيل القديم في كاليفورنيا في عام 2017، ما أدى إلى عمليات إجلاء جماعية وسط مخاوف من حدوث تسربات كبيرة خارجة عن السيطرة.
كما دمرت قطعة من نهر جليدي في الهيمالايا سدا وألحقت أضرارا بآخر في شمال الهند في عام 2021، ما أسفر عن مقتل العشرات، حيث أصبح ذوبان الأنهار الجليدية بسرعة نتيجة لارتفاع درجات الحرارة الآن خطرا كبيرا على سلامة السدود والمجتمعات التي تعيش في اتجاه مجرى النهر.
وكان النهج الافتراضي هو إصلاح السدود القديمة عند الحاجة، ومراقبة مستويات الخزانات ومحاولة توقع هطول الأمطار وزيادة التدفقات من المنبع، وفق المقال.
ويذكر كاتبا المقال على سبيل المثال سد كاريبا الواقع على نهر زامبيزي في جنوب أفريقيا، والذي يخضع لإصلاحات واسعة النطاق لمنع انهياره بعد أن تبين أن مجرى النهر تحته قد تعرض للضعف الشديد.
وتقدر تكلفة الإصلاحات المطلوبة لإبقاء السد قائما حوالي 300 مليون دولار، رغم انخفاض إنتاج الطاقة الكهرومائية أصلا بسبب الجفاف.
ويرى المقال أن مثل هذه المشاريع تعمل في الأساس على سد الشقوق، وغالبا ما تكون أكثر تكلفة بكثير على المدى الطويل من إزالة السدود التي عفا عليها الزمن.
وفي حين أن بعض السدود القديمة لا تزال توفر مياه الشرب وتساعد المزارعين في ري حقولهم، فإن العديد من السدود التي تم بناؤها للطاقة الكهرومائية لا تولد سوى جزء صغير من الكهرباء التي كانت تنتجها في السابق بسبب تراكم الرواسب خلف جدرانها.
كما أدى الجفاف المتزايد المرتبط بتغير المناخ إلى شل توليد الطاقة الكهرومائية في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى تقنين الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي في الولايات المتحدة والصين والبرازيل.
ويقول الكاتبان، إن حقيقة تزايد صعوبة تبرير وجود العديد من السدود هي أحد الأسباب وراء وجود حركة متنامية، تقودها غالبا الشعوب الأصلية وغيرها من السكان المهمشين، لإزالتها.
ومن الجدير بالذكر أن إزالة أربعة سدود على نهر كلاماث على طول الحدود بين ولاية أوريغون وكاليفورنيا، والتي من المقرر أن تكتمل في العام المقبل، سيكون أكبر جهد من نوعه في التاريخ.
ويضيف المقال، أن وتيرة إزالة السدود وترميم الأنهار في أوروبا تتسارع، حيث تعد أنهار القارة من بين أكثر الأنهار تقطعا في العالم، وقد شهدت انخفاضا كبيرا في التنوع البيولوجي للمياه العذبة.
ورجح المقال أن يؤدي مشروع ترميم نهر ميوز في هولندا، والذي يتضمن استعادة سهوله الفيضية لمعالجة الفيضانات والجفاف، إلى تقليل الفيضانات الشديدة من مرة كل قرن إلى مرة كل 250 عاما.
وختم المختصان بالسدود والأنهار مقالهما المشترك بالإشارة، إلى أن كارثة السد المأساوية في ليبيا تعتبر بمثابة إنذار للسدود القديمة الأخرى في جميع أنحاء العالم، وإن أفضل أداة هي إزالتها تماما.