صوّر موقع "ميديا بارت" الحياة اليومية، والتنقل تحت القصف والقنابل، من خلال حوار أجراه مع فرنسيين من أصل فلسطيني أجليا من قطاع غزة في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي مع أسرتيهما، مما يعطي فكرة عن الجحيم الذي عاشه أهل غزة، وعن الآمال في هدنة أو اتفاق لوقف إطلاق النار، ليلتقي المشتتون وتعود الحياة التي افتقدها من غادروا غزة ومن بقوا فيها.
الفرنسيان جهاد وسونيا لم يلتقيا قط، ولكن يجمع بينهما المقام في غزة والتنقل تحت القصف الإسرائيلي وفقد الأحبة والأمل في عودة الأمن إلى غزة والإجلاء إلى فرنسا، وإن اختلفت التفاصيل.
قابل الموقع الناجيين من جحيم غزة منفصلين، الرجل في مكان إقامته الجديد بفرنسا، فجهاد (55 عاما) -حسب تقرير بيرينيس غابرييل- يسكن مع زوجته وتوائمهما الثلاثة في شقة بمجمع شقق فندقية بجنوبي غربي فرنسا، أجرتها لهم جمعية "فرانس هورايزن"، أما سونيا (27 عاما) التي رفض زوجها الخروج من غزة، فتعيش مع أطفالها الثلاثة في إيل دوفرانس في ضيافة والدها، كما تقول.
جهاد الذي هُجّر والداه من قرية قريبة من عسقلان عام 1948، حصل على الجنسية الفرنسية في العقد الأول من القرن الـ21 بعد الدراسة والعمل في فرنسا. وفي نهاية عام 2010، بعد بتر أحد أطرافه إثر إصابته بمرض، تمكن من العودة إلى غزة بفضل عمله مع منظمة خيرية غير حكومية هناك.
وقد شهد جهاد حربي 2012 و2014 وحرب 2021 على قطاع غزة، لكن لا شيء بالنسبة له يقارن بما يحدث حاليا في القطاع، قائلا إنه "عقاب جماعي يشمل تدمير أحياء كاملة، علاوة على قطع المياه والكهرباء. قبل ذلك كانت لا تزال هناك إمدادات عبر نقاط التجارة مع إسرائيل وعبر مصر، وكان الناس يحصلون على الطعام والشراب والكهرباء إلى حد ما، أما هذه المرة، فالجوع يستخدم سلاحا في الحرب".
هروب تحت القنابل
ويعلق جهاد آماله -كما يقول للموقع- على الهدنة التي تم التوصل إليها بعد الاتفاق بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، "عسى أن تستمر ونتمكن من تحقيق وقف إطلاق النار، والحل السلمي وحل الدولتين. لا يمكن ضمان أمن إسرائيل وأمن الفلسطينيين أبدا من دون تحقيق العدالة لكليهما، من أجل تقاسم هذه الأرض بين الشعبين".
كما يستنكر جهاد المعايير المزدوجة التي تتبعها الدول الغربية، على حد تعبيره، والتي تؤجج في نفسه المرارة، "شخصيا، كنت أتمنى أن تعمل فرنسا بشكل أكثر من أجل موقفها المعروف، أي دعمها لحل الدولتين، لكن لسوء الحظ لم نر ذلك".
ومن جانبها، تقول سونيا التي انتقلت عام 2012 إلى حي الطوام بشمال غزة بعد دراسة اللغة العربية في الجامعة، وحصلت على عقد تدريس في المعهد الفرنسي هناك، إن زوجها رفض مغادرة القطاع للبقاء مع والديه الكبيرين في السن واللذين يرفضان مغادرة أرضهما ومنزلهما حتى لو لم يبق سوى الآثار، وهي في فرنسا تكتفي برسائلهم التي تقول "ما زلنا على قيد الحياة"، وتأمل في وقف القتال للمّ شمل أسرتها.
كانت سونيا في شقتها بغزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقالت لنفسها فور وقوع ما حصل "إن الوضع سيكون حرجا وإنه سيؤدي إلى حرب قد تستمر أشهرا"، وعند بداية القصف لاحظت أن إسرائيل لم تكن ترسل تحذيرات كما كانت تفعل في الحروب الماضية، فأخذت مذعورة حقيبة يدها التي تحتوي على المستندات المهمة، تماما كما فعل جهاد الذي جمع أوراق العائلة في حقيبة ظهر بمجرد أن بدأ القصف.
وتتذكر سونيا كيف غادرت شقتها وابنها البالغ من العمر عامين بين ذراعيها، وخلفها طفلاها الآخران البالغان 7 و10 أعوام، وركضوا باتجاه وسط غزة مسافة تزيد عن 3 كيلومترات وسط "الدخان واللهب وأصوات القنابل العالية جدا"، وعندما لجؤوا إلى أحد أفراد العائلة بالقرب من مستشفى الشفاء وصلتهم مكالمة في المساء نفسه تطلب منهم الإخلاء، ليجدوا أنفسهم يركضون في الشارع من جديد دون أن يعرفوا إلى أين يذهبون، قبل أن يلجؤوا إلى إحدى مدارس اليونيسيف وسط قطاع غزة.
وعلى عكس سونيا، لم يغادر جهاد وعائلته شقتهم القريبة من مستشفى الشفاء على الفور، وكانوا يلجؤون إلى قبو منزل شقيق جهاد الأكبر عندما تشتد التفجيرات وتهتز بنايتهم بسقوط الصواريخ، ولكن رئيس بعثته طلب منه مغادرة غزة بعد 11 يوما من بدء القصف، ولذلك غادر إلى خان يونس جنوبا، ليلجأ إلى مركز تدريب تابع للأمم المتحدة.
وأوضح جهاد أن مركز التدريب الذي أقام فيه 3 أسابيع لم يكن فيه سوى مرحاضين للرجال واثنين للنساء، و"كان عليك الوقوف في طوابير لساعات، وفي كثير من الأحيان لم تكن هناك مياه. بالنسبة للأطفال كان الأمر صعبا، فكان الحل هو وضع كيس خلف شجرة زيتون أو جدار".
لا طعام
وفي مدرسة اليونيسيف حيث لجأت سونيا "لم يكن هناك طعام على الإطلاق، ولم تكن لدينا أي ملابس للأطفال، ولم آخذ أي شيء للطفل الصغير عندما غادرت. كان الجو باردا في الليل، ولم تكن هناك بطانيات، ونمنا على الأرض. رأيت مئات الأطفال ينامون على الأرض دون تناول الطعام. لم تكن هناك مياه أيضا، وكان عليك الوقوف في الطابور لمدة 5 أو 6 ساعات لملء حاوية سعة 15 لترا ومشاركتها مع 25 شخصا. مرض أطفالي بسبب المياه غير الصحية".
وفي مدينة غزة، كما هو الحال في خان يونس، تتحدث سونيا وجهاد عن الطابور الذي لا نهاية له للحصول على الخبز، وخطورة هذه المهمة اليومية، يقول جهاد "لا يمكنك أن تشعر بالأمان، حتى في المركز كان الزلزال يضرب على بعد 200 متر في كل مكان. إنك تخاطر بمجرد خروجك، حتى عندما تذهب للحصول على الخبز يمكنك أن تقتل في أي لحظة".
وتقول سونيا إنها توجهت إلى مركز رفح على الحدود مع مصر بناء على طلب السفارة الفرنسية في القدس لتسهيل إجلائها. لتودع زوجها وأصهاره، وتقول إنها على الطريق الذي يفترض أنه آمن، رأت "الكثير من السيارات المحترقة، والجثث والأشياء التي تصيبك بالصدمة مدى الحياة"، ومثلها كان جهاد وعائلته في طريقهم إلى معبر رفح يشعرون "بالخوف من الموت في القصف".
وختم الموقع بأن جهاد وعائلته يلقون المتابعة الدقيقة من قبل جمعية فرانس هورايزن، ويستطيعون الوصول إلى الأطباء النفسيين بالإضافة إلى الإقامة، أما سونيا فهي تشعر بالوحدة الشديدة منذ مغادرة المطار، إذ تصرفت بمفردها، ولحسن الحظ أن والديها استضافاها وإلا لما كانت تعرف أين ستنام، وهي الآن تواجه الوضع الطبيعي لأم بلا موارد ومن دون دخل مع 3 أطفال.