13.34°القدس
13.1°رام الله
12.19°الخليل
17.62°غزة
13.34° القدس
رام الله13.1°
الخليل12.19°
غزة17.62°
الإثنين 02 ديسمبر 2024
4.63جنيه إسترليني
5.13دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.85يورو
3.63دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.63
دينار أردني5.13
جنيه مصري0.07
يورو3.85
دولار أمريكي3.63
عبد الكريم أهروبا

عبد الكريم أهروبا

ما الذي يواجهه مسلمو ألمانيا بعد "طوفان الأقصى"؟

لم يُفاجأ مسلمو ألمانيا عقب هجوم السّابع من أكتوبر على إسرائيل بارتفاع الأصوات التي تطالبهم بالنأي بأنفسهم عن "إرهاب حماس"، والتبرُّؤ مما اقترفته أيدي مقاتليها. فمسلمو ألمانيا اعتادوا أن يتحملوا أوزار الآخرين، ويؤاخذوا على جريرة غيرهم من بني جلدتهم أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها. وهذه ليست المرّة الأولى، وحتمًا لن تكون الأخيرة.

على الرغم من إصدار المجلس التنسيقي لمسلمي ألمانيا- الذي يضم كبرى المنظمات الإسلامية يوم 8 أكتوبر/ تشرين أول، إدانةً واضحة للأحداث، أعقبها ببيان ثانٍ يوم 19 من الشهر نفسه، أكد فيه تارة أخرى تنديده بـ "الهجوم الإرهابي الذي شنّته حماس ضد السكان المدنيين في إسرائيل"، ودعا فيه إلى "إنهاء العنف، وإطلاق سراح الرهائن" – فإنّ كل ذلك لم يكن ليشفع للمؤسسات الإسلامية في الإفلات من التعرض لهجوم شرس، تَعَمَّد الشطط في إصدار الأحكام المسبقة، والتشكيك في النيات.

وقد كان الذنب الذي اقترفته المنظمات الإسلامية في هذا الصدد، أنها تجرّأت- في مَعرض إداناتها- على الإشارة أيضًا إلى سياق هجوم حماس الذي لم يأتِ من فراغ، كما صرّح على نحو مماثل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.

في ظلّ الانحياز المطلق، وغير المشروط للحكومة الألمانية إلى إسرائيل، وتبنيها موقفًا راديكاليًا صارمًا لا يتسامح مع المواقف الرمادية، يَعتبر كلَّ من لا يؤيد إسرائيل معاديًا لها بالضرورة، باتت أية محاولة لوضع ما حصل في سياقه التاريخي مدعاة للنقد والمساءلة، وكافية لجعل صاحبها -وإن كان غير مسلم- منبوذًا، كما كان شأن الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك.

وكأنّ الصراعَ الإسرائيلي الفلسطيني وليدُ يوم 7 أكتوبر؛ وكأن النكبةَ وأكثر من سبعة عقود من الاحتلال، والاستيطان، والحصار المطبق على غزة، وتدنيس المسجد الأقصى، أحداثٌ عارضة لم تكن شيئًا مذكورًا.

فلم يكد يجفّ مداد بيان المنظمات الإسلامية حتى انهالت عليها ألسنة حداد من كل حدب وصوب، تتهمها بالتلكؤ في التنديد بالهجوم، أو بمحاباة مبطنة لحماس، أو بالاستخفاف ببشاعة الإرهاب، أو بقلب الحقائق وجعل الجاني ضحية، أو بكل ذلك معًا.

وقد استغلت هذه الأصوات تجاوزات شهدتها بعض المظاهرات المناهضة للحرب على غزة، والسخط السياسي، والإعلامي العارم الذي صاحبها لتحميل هذه المنظمات -التي طالما زعموا أنها لا تمثل سوى قلة من مسلمي ألمانيا- مسؤوليةَ كل ما حدث.

الغريب أنّ الرئيس الألماني السابق، كريستيان فولف- صاحب المقولة الشهيرة عام 2010: "الإسلام جزء من ألمانيا"- حثّ على "إجراء جرد صادق للمحتوى المعادي للسامية في الإسلام". مشيرًا إلى أن جذور كراهية المسلمين لليهود متأصلة في هذا الدين، ممتدة إلى أعماق تاريخه، وتشكل جزءًا أصيلًا من التربية في كثير من بلدان العالم الإسلامي

والمجحف أنّ أولئك الذين دأبوا على الإسراع بمطالبة مسلمي ألمانيا بالنأي عن جُرم هنا أو هناك لم تقترفه أيديهم، لا تُحسّ منهم من أحد حين يكون المسلمون هم الضحيةَ.

فلم يطلب أحد يومًا، قط، من يهود ألمانيا أو مؤسساتهم إدانةَ اعتداء إسرائيل المتكرر على حرمة المسجد الأقصى، أو شجب جرائم الغلاة من المستوطنين، أو استنكار دعوة اليهود المتطرفين في إسرائيل إلى إبادة العرب، أو يطالبهم اليوم – وقد أودت الحرب بأكثر من 15 ألف شهيد – بالنأي بأنفسهم عن انتهاكات إسرائيل للقوانين الدولية، أو غير ذلك.

فهذه المعايير لا تطبق إلا على المسلمين، خاصة دون غيرهم. ولو حاول أحد تطبيقها على اليهود لهُرع المتربصون بالمسلمين إلى استنكار ذلك، واعتبروه عنصرية، ومعاداة للسامية. إذ كيف يعقل أن تُحَمَّل طائفة دينية برمتها وزرَ أحداث معزولة لا ناقةَ ليهود أو مسلمي ألمانيا فيها ولا جملَ؟!

وقد كان من أشد التأويلات تطرفًا لبيان المجلس التنسيقي لمسلمي ألمانيا، ما كتبته الأستاذة الجامعية، وعالمة الأثنولوجيا سُوزانه شْرُوتَر- مديرة "مركز فرانكفورت لأبحاث الإسلام العالمي" (FFGI) – في مقال جعلت فيه المنظمات الإسلامية الألمانية في مصاف الجماعات المتطرفة.

كما زعمت أن دعوة المجلس التنسيقي إلى وقف إطلاق النار كان هدفه "منع إسرائيل من استخدام القوة العسكرية لوضع حد للإرهاب"، وكأن إسرائيل- التي لم تعبأ بعشرات من القرارات الدولية في هذا الشأن- ستُذعِن اليوم لدعوة مسلمي ألمانيا لإيقاف الحرب.

ويمثل ما كتبته شروتر اتهامًا غير مسبوق للمنظمات الإسلامية بدعم الإرهاب، وهي تُهمة قاصمة للظهر، من شأنها أن تنسف كل ما بناه المسلمون بشقّ الأنفس في العقود الماضية إن وجدت لها آذانًا مصغية عند صانعي القرار.

وقد حذا حذوَ شْرُوتَر كثيرٌ من الشخصيات التي كرّست نفسها لتأليب الرأي العام على المسلمين. وكان القاسم المشترك، بينهم جميعًا، شيطنة المنظمات الإسلامية لتقويض أهليّتها في أن تكون شريكًا للدولة، والمجتمع.

كان للسياسيين، والوزراء، ورجال الدولة حظٌّ وافر كذلك في التحريض ضد المسلمين. فقد أسقطت التطورات التي أعقبت "طوفان الأقصى" أقنعة كثيرة كانت تتشدّق بالقيم، والمبادئ الإنسانية، مطالبين بزيادة الضغط على المنظمات الحالية التي يصفونها -انتقاصًا- بأنها تمثل "الإسلام المحافظ أو التقليدي"، واستبدالها بمنظمات هجينة تتبنّى "إسلامًا ليبراليًا مُستنيرًا" تضطلع بمسؤولية تمثيل المسلمين.

ومن بين هؤلاء وزير الغذاء والزراعة، جيم أوزديمير، وهو من أصول تركيّة شركسية، الذي يدعو إلى ضرورة" إحداث منعطف جوهري في السياسة الدينية للدولة"، ويعتبر أن تفاعل المنظمات الإسلامية الألمانية مع أحداث 7 أكتوبر مؤشرٌ جديد على حجم "إشكاليتها الكبيرة في تعاملها مع معاداة السامية". وبذلك – حسب رأيه- بات الوقت ملائمًا لدعم إسلام جديد يلتزم بمبادئ الدستور الألماني، من قبيل "مبادرة الإسلام العلماني" التي أطلقها عام 2018.

ولا يجد الوزير حرجًا في العزف على وتر الشعبوية، قائلًا: "لا إسلام- أردوغان، ولا إسلام-حماس، أو إسلام المُلَّا الإيراني، ينبغي أن يكون له موطئ قدم في ألمانيا"، مشيرًا إلى الصلات التي تربط منظمة ديتيب (DITIB) – كبرى المنظمات الإسلامية في ألمانيا- برئاسة الشؤون الدينية التركية الإسلامية (دِيَانِتْ)، التي يتهم رئيسها علي أرباش، بمعاداة السامية، والتحريض ضد اليهود وإسرائيل في وسائل الإعلام التركية، ويؤكد على أن هذا الارتباط لا بد أن يكون له تأثير مباشر على أئمة المساجد في ألمانيا، وهو ما يجب ألا يبقى دون عقاب حسب رأيه.

ولو طُبق هذا المبدأ الفاسد – مبدأ "جريمة الصلة"- على مؤسسات الدولة في ألمانيا، فلا بد لأوزديمير أن يقيم الدنيا ولا يقعدها ضد جهاز الاستخبارات الداخلية، ويضع موظفيه تحت طائلة الاتهام؛ لأن رئيسه السابق، هانْزْ-جِيُورْج مَاسَن، الذي قاد الجهاز أكثر من ست سنوات، يميني متطرف، يثقل كاهل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ينتمي إليه بتصريحاته العنصرية والمعادية للسامية.

أمَّا نائب المستشار الألماني، ووزير الاقتصاد، روبيرت هابِك، فقد طالب المسلمين- في خطاب عنصري منمق بغشاء أخلاقي لقي حفاوة إعلامية- بالتبرؤ من معاداة السامية على نحو أشبه بالمقايضة على حقوقهم الدستورية، إذ هدَّدهم بأن حقهم في الحماية من عنف اليمين المتطرف، والتسامح تُجاههم، مرهونٌ "بنأيهم الصريح عن معاداة السامية".

وعلى الرغم من أن الضالعين في أبشع الجرائم النازية لم يكونوا عربًا، ولا مسلمين، وإنما كانوا ألمانًا أقحاحًا مسيحيين- ورغم أنّ 84% من جرائم معاداة السامية حسب آخر إحصاء نشرته وزارة الداخلية اقترفها اليمين المتطرف- فإن وزير الاقتصاد لم يطالب كل الألمان، ولا كل المسيحيين بالنأي بأنفسهم عن معاداة السامية كما طالب بذلك المسلمين كافةً.

والغريب أنّ الرئيس الألماني السابق، كريستيان فولف- صاحب المقولة الشهيرة عام 2010: "الإسلام جزء من ألمانيا"- حثّ هو أيضًا على "إجراء جرد صادق للمحتوى المعادي للسامية في الإسلام". مشيرًا إلى أن جذور كراهية المسلمين لليهود متأصلة في هذا الدين، ممتدة إلى أعماق تاريخه، وتشكل جزءًا أصيلًا من التربية في كثير من بلدان العالم الإسلامي.

ويبدو أنه لم ينتهِ إلى علم الرئيس السابق، أن اليهود الذين نكّلت بهم محاكم التفتيش التابعة للكنيسة الكاثوليكية التي ينتمي إليها، كانوا لا يجدون ملاذًا آمنًا إلا في الأمصار الإسلامية.

وحتى لا يُضطر أحد بعد فوات الأوان- مثلما حصل في الهجوم العنصري في مدينة هاناو عام 2020- إلى ذرف دموع زائفة؛ ندمًا على لعب دور المتفرج حِيال انتشار خطاب الحقد والكراهية في المجتمع، يجب الكفّ فورًا عن نهج شيطنة المسلمين، ومؤسساتهم، وتحميلهم وزرَ ما لم يقترفوه، وكبح جماح العنصريين.

فآلة الإسلاموفوبيا التي أُطلِق لها العنان بعد 7 أكتوبر، توشك أن تعصف بالسِلم المجتمعي الذي بدأت تتصدع ركائزه، في وقت بدت فيه ألمانيا تتجه بخطى حثيثة إلى السقوط مرة أخرى في شَرَك اليمين المتطرف الذي أخذت حاضنته الاجتماعية تتسع يومًا بعد يوم، كما هو الشأن في باقي الدول الأوروبية.

وإذا كان على أجهزة الدولة ألا تتسامح قِيد أنملة مع جرائم معاداة السامية، فإنّ ذلك يجب ألا يُتخذ ذريعة لاستهداف الإسلام والمسلمين دون جريرة.

فمعاداة السامية لا يمكن- ألبتة- محاربتها بفوبيا الإسلام، فكلا الأمرَين عنصرية مقيتة وينبعان من معين واحد، وإلا فإن ألمانيا لن تكون قد تعلمت من دروس التاريخ شيئًا.

المصدر / المصدر: فلسطين الآن