كشفت صحيفة هآرتس العبرية، في عددها الصادر اليوم الأحد، عن انتحار عشرة جنود وضباط في الجيش الإسرائيلي بطرق مختلفة منذ بداية الحرب الحالية على غزة، منها إطلاق النار على أنفسهم، أو تفجير قنابل فيها، وذلك بسبب أوضاعهم النفسية، وغياب الدعم لهم من قبل الجيش. ووقعت بعض حالات الانتحار في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عقب عملية "طوفان الأقصى" أو في الأيام التي تلتها مباشرة، على خلفية الأحداث والمشاهد التي رآها الجنود والضباط في منطقة غلاف غزة، ومشاهد أخرى مع تقدّم الحرب على غزة.
وفي إحدى الحالات، سمع جنود صوت إطلاق نار من بيت في إحدى المستوطنات المحاذية لغزة، وعندما هرعوا إلى هناك بعدما اعتقدوا بوجود المزيد من عناصر المقاومة، وجدوا أحد الجنود مقتولاً. وكان الجندي قد أطلق النار على نفسه وأُقرّت وفاته في المكان، لكن ملابسات مقتله بقيت مجهولة للجنود في حينه، كما عرقلت الرقابة العسكرية الكشف عن الأمر، وبعد عدة أسابيع، كُشف عن أن الجندي وضع حداً لحياته.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجندي المذكور ليس الوحيد الذي انتحر وهو يرتدي الزي العسكري في الأيام الأولى من الحرب، وحتى قبل الاجتياح البري لقطاع غزة، وإنما شهدت تلك الفترة الزمنية عدة حالات انتحار لجنود وضباط، فيما وضع عدد منهم حداً لحياته عندما كانت المعارك في منطقة غلاف غزة في أوجها. ونقلت الصحيفة عن رئيس مركز أبحاث الانتحار والألم النفسي في المركز الأكاديمي روبين، يوسي ليفي بلوز، قوله إن "هذه الحوادث كانت مفاجئة جداً"، موضحاً أن حالات الانتحار لا تحدث بشكل عام خلال استمرار الحرب، وإنما بعد انتهاء المعارك، خاصة في صفوف من يعانون من آثار ما بعد الصدمة، بينما "هذه الحالات النادرة قد تشير إلى قسوة الفظائع" في منطقة غلاف غزة، على حدّ تعبيره، وتأثيرها على الوضع النفسي لمن تعرضوا لها.
وبشكل عام، يقول مختصون مطّلعون في هذا المجال إن معظم حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي هي في صفوف الجنود الشباب المتدربين أو خلال سنتهم الأولى من الخدمة العسكرية، وهذه هي القاعدة العامة، ولكن السابع من أكتوبر كان له تأثير استثنائي، ووجد الجيش الإسرائيلي نفسه يتعامل أيضاً مع حالات انتحار في أوساط جنود وضباط في الخدمة الدائمة، وفي خدمة الاحتياط، في الثلاثينيات والأربعينيات من أعمارهم.
وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من ادّعاء الجيش الإسرائيلي بأنه لم يجد رابطاً بين حالات الانتحار والمشاهد في منطقة غلاف غزة، فإن محادثات مع عائلات هؤلاء الجنود وأصدقائهم وزملائهم في الوحدات العسكرية، أشارت إلى أن عدداً منهم عانوا من ضائقة نفسية، بسبب المشاهد التي رأوها في منطقة الغلاف. وبحسب معطيات الجيش الإسرائيلي التي حصلت عليها الصحيفة العبرية، فإنه منذ بداية الحرب وحتى 11 مايو/ أيار الحالي، وضع عشرة جنود وضباط حداً لحياتهم. لكن القائمة لا تشمل الجنود الذين سُرّحوا من الخدمة، ووضعوا حداً لحياتهم في أعقاب تأثرهم بالحرب، وتطوّر حالات ما بعد الصدمة لديهم.
وسواء انتحر الجنود بالزي العسكري، أي خلال الخدمة، أو بعد خلعهم له، فإن الجيش الإسرائيلي يعترف بفشله في تقديم الدعم النفسي، على الرغم من أن منظومة الدعم النفسي قد شهدت تغييرات كثيرة في فترة الحرب. ونقلت الصحيفة عن ضابطة في كتيبة المدرّعات تأكيدها عدم وجود توجيه للتعامل مع الجنود الذين ظهرت عليهم مؤشرات تتعلق بردود الفعل المتعلّقة بالحرب في قوات الاحتياط. وأشارت إلى أن الأيام الأولى شهدت إخفاقاً كبيراً في هذا السياق. وزاد من صعوبة التعرّف مسبقاً على الحالات التي قد تطوّر ردود فعل نفسية حجم التجنيد الكبير لقوات الاحتياط بعد السابع من أكتوبر.
كما نقلت الصحيفة عن مختصين إشارتهم إلى صعوبة التعرّف على من يعانون من ضائقة نفسية في صفوف قوات الاحتياط. وحتى يوم أمس السبت، بلغ عدد الجنود الإسرائيليين القتلى منذ بداية الحرب الذين أعلن الجيش الإسرائيلي رسمياً عن مقتلهم 620 جندياً، لكن هذا ليس العدد الموجود في قوائم الجيش الإسرائيلي، والذي يصل إلى 637 وفقاً لصحيفة هآرتس، مشيرة إلى وجود جنود صنّفوا أنهم قضوا في حوادث طرق. ولفتت إلى تكتم الجيش على جزء من حالات الانتحار.
وليست سياسة التكتّم جديدة في الجيش الإسرائيلي، إذ كشفت معطيات أكثر شمولية، حصلت عليها الصحيفة، عن أنه منذ عام 1973، ووفقاً لمعطيات الجيش، انتحر 1277 جندياً، فيما يزعم الجيش أن لا معطيات لديه حول حالات الانتحار ما قبل ذاك العام. وعلى مدار سنوات، صنّف الجيش العديد من حالات الموت حوادثَ أسلحة وليست انتحاراً، وفي أحيان كثيرة كان ذلك بناءً على طلب من عائلات الجنود المنتحرين.
وبالمجمل، شهدت السنوات الأخيرة انخفاضاً في عدد الجنود الذين وضعوا حداً لحياتهم، وفقاً للمعطيات الإسرائيلية. ففي حين كان متوسط عدد الجنود المنتحرين في سنوات التسعينيات 36 جندياً، وصل العدد في العقد الأخير إلى 13. وساهمت في ذلك، وفق موقف الجيش، زيادة أعداد ضباط الصحة النفسية، وتقليص عدد الجنود الذين يتوجهون إلى منازلهم وهم يحملون سلاحهم معهم. لكن ضباطا مطّلعين قالوا للصحيفة العبرية إن الانخفاض ناجم بالدرجة الأولى عن ازدياد نسبة الإسرائيليين الذين يحصلون على إعفاء من التجنيد لأسباب نفسية. ونقلت الصحيفة عن مصادرها قولها إنه مُنع على مر السنوات الكثير من حالات الانتحار، حين كان جنود على شفا وضع حد لحياتهم.