تجاهلت روسيا، خلال الأيام الماضية، الأخبار المُتداولة عن توغّل الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري، وهو الموقف الذي أثار تساؤلات حول تفسيرات موقف موسكو، التي تعتبر صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا.
ولم تشر موسكو في بيانها الأخير، إلى تحركات الاحتلال داخل الأراضي السورية بمحاذاة الجولان المحتل، مكتفية بـ"التعبير عن قلقها إزاء تصرفات إسرائيل المستمرة في الشرق الأوسط"، على حد تعبير بيان صادر عن الخارجية الروسية.
وفي الأسبوع الأخير، توالت الأنباء عن عمليات توغل برّي محدودة من قبل جيش الاحتلال في مناطق متاخمة للشريط الفاصل مع سوريا.
حسابات روسية متعلقة بإيران
الكاتب المختص بالشأن الروسي، طه عبد الواحد، أشار إلى تطابق مواقف روسيا والنظام السوري بخصوص عمليات التوغل، وقال: "لم يصدر عن روسيا والنظام أيضاً أي تعليق على هذا التوغل، ولا أستبعد أن هذا الصمت ربما يهدف إلى معالجة الموقف من خلف الكواليس، وربما صمت في دمشق وموسكو أمام التوغل سيساهم في الحد من النفوذ الإيراني في سوريا".
وأضاف عبد الواحد: "يحول صمت موسكو ودمشق دون تدحرج التصريحات وإثارة حالة شعبية، تجبر النظام على الذهاب نحو ما لا يريده، أي مواجهة القوات الإسرائيلية المتوغلة في سوريا".
وتابع، بأن "روسيا من جانبها ليست مهتمة بالتصعيد الإسرائيلي على الجبهة السورية، لذلك ربما تجري معالجة الموقف، لكن بصمت، بعيداً عن الأضواء". فيما لم يستبعد الكاتب المختص بالشأن الروسي، سامر إلياس، أن يأتي غضّ الطرف الروسي عن منع ضربات الاحتلال الإسرائيلي على المواقع الإيرانية، في إطار رغبة روسيا في الحد من نفوذ إيران، والاستفراد بالمكاسب السياسية والاقتصادية بعد تثبيت نظام حكم بشار الأسد، بتدخل من القوتين.
وأضاف إلياس، عبر مقال له، أنه "يجب عدم إهمال عامل مهم، وهو أن روسيا ربما انطلقت من أن الوجود الإيراني القوي في سوريا يشكل عقبة أمام عودة اللاجئين، وتحسين الاقتصاد، والحصول على دعم غربي وعربي من أجل إعادة الإعمار، وتأهيل البنى التحتية لعودة اللاجئين، فضلا عن أن إيران غير قادرة كما حال روسيا على تمويل كلفة إعادة الإعمار في سوريا".
تكبيل النظام
من جهته، اعتبر المحلل السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف، أن تغافل بلاده عن تصرفات دولة الاحتلال الإسرائيلي في سوريا، يهدّد بفقدان موسكو ماء الوجه في العالمين العربي والإسلامي.
ولفت أونتيكوف، خلال حديثه لموقع "تسارغراد" الروسي، إلى طرح وسائل الإعلام العربية بأن "روسيا تمنع دمشق من إسقاط الطائرات الإسرائيلية وهي على اتصال بالجانب الإسرائيلي، على الرغم من أنها تستطيع استخدام منظومات الدفاع الجوي من طراز "إس إس 400" الموجودة في قاعدة حميميم الجوية".
وأضاف أن: "إسقاط روسيا طائرة إسرائيلية يعني بداية الحرب، ومن ناحية أخرى، يوجد عسكريون روس على الأراضي السورية، وغالبا ما تستهدف إسرائيل مواقع قريبة منهم، ما يشكل تهديدا لحياتهم".
مهام "الجيش السوري"
وتزامن الصمت الروسي، مع شن الاحتلال الإسرائيلي ضربات جوية في مدينة اللاذقية الساحلية، على مقربة من قاعدة "حميميم" الروسية.
ويقول الدبلوماسي السابق والمستشار المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر: "ليس هناك مناطق نفوذ روسية لا في سوريا ولا في أي مناطق خارج حدودها، بل هناك اتفاقيات تعاون، ومنها استخدام ميناء على الساحل السوري لتزويد الأسطول الروسي بما يحتاجه".
وأضاف الشاعر، أن "القاعدة الجوية في حميميم كانت بطلب رسمي من الحكومة السورية، بهدف المساعدة في محاربة التجمعات الإرهابية، وهذا لا يتعارض مع القانون الدولي في طلب المساعدة والموثّق في ميثاق الأمم المتحدة".
وأضاف: "لا يوجد تنسيق روسي -إسرائيلي، بل توجد قناة اتصال أمنية عسكرية لتفادي أي تهديد لنقاط المراقبة الروسية على الحدود السورية الإسرائيلية".
أما بخصوص الغارات، قال الشاعر إن "الغارات تنفذ من خارج المجال الجوي السوري، والرد عليها من مهام الجيش السوري، وبالتالي فإن مهمة روسيا هي الحفاظ على نظام التهدئة وتفادي حدوث حرب أهلية واسعة في سوريا، وكل ما يخص حماية سوريا من الاعتداءات الخارجية يقع على مسؤولية النظام في دمشق".
إلى ذلك، شكّك الشاعر بـ"حدوث توغل بري نفّذه الاحتلال داخل سوريا"، بالقول: "لا أعتقد بحدوث أي توغل بري، رغم التعدّيات الجوية المتكررة، وللأسف سوريا بوضعها الداخلي نتيجة انقسام المجتمع السوري، عاجزة عن حماية سيادتها".