10.57°القدس
10.33°رام الله
9.42°الخليل
14.99°غزة
10.57° القدس
رام الله10.33°
الخليل9.42°
غزة14.99°
الخميس 30 يناير 2025
4.48جنيه إسترليني
5.07دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.75يورو
3.6دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.48
دينار أردني5.07
جنيه مصري0.07
يورو3.75
دولار أمريكي3.6
أحمد عبد الرحمن

أحمد عبد الرحمن

إرادةُ الشُّعوب تهزم جبروت الاحتلال!

ما قدّمته غزة وما زالت من مشاهد عزٍ وفخر، إلى جانب ما قدّمه الشعب اللبناني العزيز، والأبطال في اليمن والعراق، أثبت أنّ إرادة الحياة لدى هذه الشعوب أقوى من آلة حرب الاحتلال.

ممّا لا شكّ فيه أنّ أحد أهمّ أهداف الحرب العدوانية الظالمة على قطاع غزة، وما ارتبط بها من عدوان غاشم وهمجيّ على لبنان كان ترسيخ حالة من كيّ الوعي والشعور بالانكسار والهزيمة لدى الشعبين العزيزين في فلسطين ولبنان، إذ إنّ حجم الهجمات الجوية على وجه التحديد التي شُنّت على المدنيين الآمنين في البلدين، وما تركته من آثار وتداعيات كارثيّة على المنازل والبيوت والمنشآت والبنى التحتية، وعلى كلّ ما يمتّ لحياة الإنسان بصلة كان يهدف في الأساس إلى كسر إرادة الصمود لدى الناس، وإلى إشعارهم بحالة من فقدان الأمن الشخصي والجماعي، وإلى ترسيخ مفهوم الردع الذي بحثت عنه "إسرائيل" طويلاً في السنوات الماضية، والذي تأكّل بشكل متصاعد خلال المعارك المتعدّدة التي اندلعت مع فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية على مدار العشرين سنة الفائتة، ومن ثمّ سقط بشكل دراماتيكي صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر المجيد. 

هذا شكّل إلى جانب ما رافقه من أحداث على مستوى الإقليم ضربة قاتلة للمشروع الصهيوني ككلّ، وبات هاجساً يؤرق كلّ الإسرائيليين على اختلاف مشاربهم السياسية، والذين كانوا يعتقدون أنهم أسياد المنطقة، وأنّ سوطهم الغليظ الذي ضربوا به فيما مضى كلّ أعدائهم القريبين والبعيدين، سيكون قادراً على حماية "دولتهم" من الأخطار التي تتهدّدها من كلّ جانب، والتي تؤشّر على أنّ مستقبل هذه "المستوطنة" في المنطقة بات غير آمن، وأنّ كابوس "العقد الثامن" الذي يتخوّف منه معظم الصهاينة قد يتحوّل إلى حقيقة، ولا سيّما أنّ التحوّلات الكبيرة التي شهدها الإقليم خصوصاً فيما يخصّ تنامي قوة المقاومة قد يعجّل في حدوث ذلك الأمر.

بعد توقّف العدوان على قطاع غزة وإن بشكل مؤقت حتى الآن على أقلّ تقدير، كما هو الحال في لبنان، تكشّفت الكثير من المآسي، وظهرت الكثير من التداعيات، وبان بعد اندحار قوات الاحتلال من العديد من المناطق بأنّ ما كان يُخطّط للشعب الفلسطيني تحديداً شيء كبير، ولا سيّما فيما يتعلّق بمشروع التهجير القسري، أو فيما يخصّ عودة الاستيطان الإسرائيلي إلى القطاع الصغير والمحاصر والمنكوب.

بنظرة سريعة على ما تم إنشاؤه في ما كان يُعرف بـ "محور نتساريم "، والذي عاينّا جزءاً منه بعد تراجع دبابات الاحتلال بالأمس، نكتشف أنّ ما كان يُشاع في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إقامة منشآت عسكرية دائمة، وعن التحضير لعودة الاستيطان إلى أراضي القطاع لم يكن مجرّد بروباغندا إعلامية فقط، بل كان في جزء أساسي منه عبارة عن مشروع متكامل، يتمّ وفق خطط موضوعة سلفاً ومنذ أمدٍ بعيد. 

إنّ حجم الشوارع والطرق التي تمّ شقّها في المكان، وحجم عمليات الهدم الهائلة التي جرت حتى آخر لحظة لمئات المنازل والمباني والمؤسسات، يدلّ على أنّ هذه المنطقة تحديداً كما هو الحال في بيت حانون وبيت لاهيا ورفح كانت ستشكّل العمود الفقري للمشروع الاستيطاني في أراضي القطاع، وإلى احتلال طويل الأمد لأكثر من أربعين بالمئة من أراضيه، بما يؤدي في أحد مراحله إلى دفع الناس إلى الهجرة الإجبارية بحثاً عن مكان آمن، وعن حياة كريمة حُرموا منها نتيجة العدوان، ونتيجة الحصار المستمر منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً.

يمكننا أن نكتشف من دون حاجة إلى كثير من التحليل، وبناء على ما نشاهده بالعين المجرّدة أنّ الجهد الذي بذلته المقاومة الفلسطينية، وما رافقه من جهد من جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق وإيران وسوريا قد ساهم بما لا يدع مجالاً للشكّ في سقوط مشروع صهيوأميركي خطير للغاية، وإلى إفشال خطة متعدّدة المراحل تمّ كما يبدو العمل عليها قبل عملية "طوفان الأقصى" بسنوات، وكانت تُعتبر جزءاً من مشروع أكبر يشمل كلّ المنطقة، ويهدف إلى تشكيل شرق أوسط جديد تصبح فيه "الدولة" المارقة والمجرمة سيّدة الإقليم، وملكه المتوّج من دون أيّ منازع أو منافس.

إلى جانب المقاومة وفعلها البطولي والاستثنائي، بالإضافة إلى عوامل أخرى سنشير إليها لاحقاً، يأتي دور الشعوب الحرّة والأبيّة في كلٍ من فلسطين ولبنان، وحتى أكون أكثر تحديداً ومن باب الإنصاف في قطاع غزة وجنوب لبنان، والتي أذهلت العالم بصبرها وثباتها، وحجم تضحياتها الهائل وغير المسبوق، والتي ضربت أروع الأمثال في التضحية والفداء، وفي تشكيل حاضنة شعبية ثابتة وقويّة للمقاومين، إلى جانب قدرة هائلة على البذل والعطاء والتضحيات.

لقد أثبتت المشاهد الأسطورية التي شاهدناها عبر الشاشات لعودة النازحين من أهالي الجنوب اللبناني البطل إلى قراهم، وما عشناه على أرض الواقع من عودة لنازحي شمال القطاع إلى بيوتهم المدمّرة والمهدّمة، ونحن كنّا جزءاً منهم، وعشنا تجربتهم بكلّ تفاصيلها المؤلمة والقاسية، أنّ إرادة الحياة لدى الشعبين الكريمين كانت أقوى من جبروت الاحتلال، وأنّ كلّ عمليات القتل والإبادة الجماعية التي تعرّضا لها لم تثنهم عن المطالبة بحقوقهم، وعن انتزاعها من بين أنياب المحتل مهما كلّف ذلك من أثمان.

لقد كان يوم أمس يوماً تاريخياً ومشهوداً في قطاع غزة، ولا سيّما في مدينة غزة ومحافظة الشمال، واللتين تعرّضتا خلال شهور الحرب الطويلة لكلّ أنواع الدمار والخراب، وقدّمتا خلال هذه الفترة تضحيات جساماً يعجز اللّسان عن وصفها، وعانتا إلى جانب باقي مدن ومحافظات القطاع من الجوع والحرمان والحصار القاتل، وقدّمتا قوافل من الشهداء والجرحى كما لم يقدّم أحد من قبل.

إن ما قدّمته غزة وما زالت من مشاهد عزٍ وفخر، كما هو الحال في جنين ونابلس وطولكرم وباقي محافظات الوطن، إلى جانب ما قدّمه الشعب اللبناني العزيز، والأبطال في اليمن والعراق، أثبت بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ إرادة الحياة لدى هذه الشعوب أقوى بمئات المرات من آلة حرب الاحتلال، وأنّ المرأة الحرّة التي شاهدناها تتحدّى الميركافا في جنوب لبنان، إلى جانب آلاف الفلسطينيين الذين عادوا مشياً على الأقدام من جنوب القطاع ووسطه إلى شماله، والذين باتوا ليالي عديدة في الشوارع وعلى ناصية الطرقات من دون مأوى أو مأكل ومشرب بفعل تلكؤ الاحتلال. 

كلّ هذا يشير إلى أنّ قوّة الحقّ يمكن لها أن تنتصر على الباطل مهما اختلفت موازين القوى لصالح الأعداء، وأنّ التضحيات على جسامتها وفداحتها تهون وتصغُر أمام رغبة هذه الشعوب في الحصول على حياة كريمة وعزيزة كباقي شعوب العالم، وأنّ جبروت الاحتلال مهما علا شأنه، وبلغت قوّته، وتعاظمت إمكانياته، يمكن له أن يسقط أمام تصميم وإرادة الشعوب، ويمكن له أن يُهزم ويسقط، ولِمَ لا خلال مقبل الشهور أو السنوات أن يتفكّك ويندحر عن كلّ المنطقة إلى غير رجعة.

للعائدين إلى مدنهم وقراهم المدمّرة والمنكوبة في قطاع غزة وجنوب لبنان ألف سلام، للقابضين على جمرة الوطن رغم كلّ ما عانوه وقدّموه ألف سلام، لأولئك الذين ما زالوا يسيرون على درب الآلام والتضحيات الممتد منذ 76 عاماً في فلسطين الحبيبة ألف سلام، نقبّل رؤوسكم التي ما انحنت يوماً لغير الله، نقبّل أياديكم التي عجنت خبزاً من الكرامة والعزّة والشرف في لحظة حرمانكم من الدقيق، نقبّل أقدامكم التي ما زلت استمع إليها الآن في الشارع المجاور وهي تحثّ الخطى في الثالثة فجراً نحو أماكن سكنكم حيث مهوي الفؤاد والروح لكلّ العائدين.

اليوم يعلن الشعب الفلسطيني البطل والعزيز، ومعه شقيق روحه، وسنده ودرعه في لبنان، أنّ مشروع الاحتلال في التهجير القسريّ قد سقط، وأن لا احتلال ولا استيطان في قطاع غزة وجنوب لبنان مهما كلّف ذلك من ثمن، فهذه الأرض المعجونة بدماء آلاف الشهداء، والمجبولة بعرق الآباء والأمهات والأبناء، والتي بذل خيرة شبابنا في غزة ولبنان دماءهم وأشلاءهم رخيصة من أجل صونها وحمايتها، والدفاع عنها في وجه جبروت الاحتلال، لن تكون في يوم من الأيام إسرائيلية، ولا يهودية، ولا صهيونية، ولن يوجد عليها إلا أهلها وناسها الطيبون والصابرون، وأنّ كلّ مشاريع التصفية لن تنجح في دفع هذه الشعوب لمغادرة أراضيها، وأنّ وعود ساكن البيت الأبيض الجديد وتهديداته لن تجد لها صدى حقيقياً على الأرض، وأنها ستذهب أدراج الرياح كما ذهبت تلك التي كانت من قبلها.

تحية لغزة البطلة وأهلها، تحية لجنين وطولكرم الحرّة ومقاومتها، تحية للبنان وضاحية العزّ وسيّدها، تحية لصنعاء العروبة وقائدها، تحيّة للعراق وحشده المبارك والعزيز، تحية للجمهورية الإسلامية الشريفة والمقتدرة ومرشدها، تحية لكلّ أحرار العالم الذين ساندوا غزة، ووقفوا إلى جوارها ودعموها ولو بالدعاء، تحية لكلّ منبر إعلامي حرّ وشريف وقف في وجه الباطل، وساند المظلومين، تحية للمقاومين الشرفاء الذين خاضوا معركة الشرف والبطولة في جباليا وبيت حانون، في الزيتون والشجاعية ومعسكر الشاطئ، في خان يونس ورفح والبريج والنصيرات، في بنت جبيل وعديسة ومارون الراس والخيام. 

سلام لهم جميعاً ولإخوانهم في اليمن والعراق بما قدّموا وبذلوا وضحّوا، وسلام لأمّة آن الأوان لها بأن تصحو من غفلتها، وأن تشحذ همّتها وتستعيد دورها، فإنّ مقبل الأيام سيكون حافلاً بكثير من الأحداث والتطوّرات، والتي تحتاج من الجميع أن يكونوا على أهبة الاستعداد للبذل والعطاء والتضحيات.

المصدر / المصدر: فلسطين الآن