في الوقت الذي أظهرت فيه أوساط إسرائيلية تحمّسها لخطة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة، فقد ظهرت دعوات تحذر منها، بزعم أنها، إذا ما طُبِّقت، فإنها ستُحوِّل فعليًا الرب الحالية في غزة إلى "جولة عسكرية" أخرى بين الاحتلال وحماس، لأن الحركة لن تُهزم، والخطة لا تُلغيها كمنظمة عسكرية، بل ستُواصل فقط الضغط لإنهاء التهديدات، بدلًا من معالجتها.
وذكر عومر دوستري، المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء، وخبير في الاستراتيجية العسكرية والأمن القومي، أن "خطة ترامب، المكونة من 21 نقطة، تتناقض بشكل شبه كامل مع مبادئ إنهاء الحرب، وأهدافها التي حددتها الحكومة، باستثناء إعادة الرهائن، وهو هدف حيوي بحدّ ذاته، لكنه ليس سوى واحد من ثلاثة أهداف للحرب".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أنه "إذا نُفِّذت الخطة، ستكون إسرائيل في الواقع مستعدا لإنهاء الحملة كـ"جولة" أخرى، مع بقاء حماس في غزة، وعدم وجود ضمانات لنزع سلاحها، وانسحاب الجيش من معظم القطاع، وموافقة على إمكانية عودة السلطة الفلسطينية لإدارته، وضخ مئات المليارات من أموال إعادة إعماره، وتشجيع سكانه على البقاء فيه، بدلاً من خطة الهجرة الطوعية".
وأوضح دوستري وهو باحث بمعهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية، أنه "إذا وافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الخطة كمناورة دبلوماسية فقط، مع علمه أن حماس سترفضها على الأرجح، فهذه خطوة مرحب بها، لأن هناك ميزة مهمة واحدة فقط، لا غير، لموافقة إسرائيل، ورفض حماس للخطة، وهي تعزيز شرعية استمرار الحرب لهزيمتها لدى إدارة ترامب، ومع ذلك، فإذا وافقت الحركة في النهاية على الخطة، وفي حال تنفيذها، فسيكون ذلك انتهاكًا للأمن القومي الإسرائيلي، واستسلامًا إسرائيليًا في الحرب".
وأورد الكاتب أسباب ذلك، قائلا إن "إسرائيل ستكون مستعدة للسماح لحماس بالبقاء في غزة، وهذا يعني أنها ليست مهزومة، ولا منفية، وقد يُحاكي هذا الواقع نموذج لبنان وحزب الله، حيث تسيطر منظمة قوية على القطاع، في مواجهة حكومة يُفترض أنها تكنوقراطية ومستقلة، لكنها ضعيفة، وتدير شؤونها الخاصة، كما أن إسرائيل مستعدة للاعتماد على حكومة تكنوقراط فلسطينية وقوات أجنبية ومجلس مدني لضمان نزع السلاح من القطاع، ومنع تنامي نفوذ حماس، وتدمير مئات الكيلومترات من الأنفاق، ومنع أي هجمات ضده".
وأكد الكاتب أنه "إضافةً لذلك، ووفقًا للخطة، ستكون منظمات الأمم المتحدة مسئولة عن توزيع المساعدات الإنسانية على غزة، وفي غياب الوجود الإسرائيلي، يمكن لحماس استعادة السيطرة عليها، وكجزء من الخطة، من المفترض أن ينسحب الجيش من معظم القطاع، إلى محيط ضيق لا يتجاوز مئات الأمتار، وهذا بالطبع تنازل عن مبدأ أساسي طالب به، ويقضي بسيطرة أمنية على القطاع، بما في ذلك محيط واسع، وهذا الواقع لا يضمن عمقًا استراتيجيًا كافيًا ضد أنفاق حماس وعملياتها".
وأشار إلى أن "إسرائيل ستضطر للاعتماد على قوات أجنبية وحكومة فلسطينية مستقلة لمنع تهريب القطع اللازمة للصناعات العسكرية، كما اضطر للاعتماد على قوات اليونيفيل في لبنان لمواجهة تنامي قوة حزب الله".
كما أردف دوستري، أنه "في حال تطبيق الخطة، فستحوّل الحملة الحالية في غزة إلى جولة عسكرية أخرى بين إسرائيل وحماس، وبذلك لن تُهزم الحركة، أو تُقضي عليها كمنظمة عسكرية في غزة، بل ستواصل فقط عرقلة انتهاء التهديدات، بدلًا من معالجتها، وستجبر إسرائيل على العودة للقتال في غزة بعد بضع سنوات بقوات برية، بعد أن تكون قد سحبت جميع قواتها من القطاع، ويتقبّل الجمهور الإسرائيلي وجود حماس، ويتعب من الحروب، ويفتقر للشرعية الدولية، لأن الخطة لا تسمح للاحتلال بالعودة للقتال في غزة".
تكشف هذه السطور الاسرائيلية اللافتة حالة قلق حقيقية تجاه خطة ترامب، بزعم أنها تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وتثبت وجود حماس في غزة، التي ستظل واقفة بفخر كنصب تذكاري لأفعالها، رغم أن السيطرة الأمنية الإسرائيلية في القطاع، بجانب حرية عمل الجيش على الأرض، قد يضمن نزع سلاح الحركة، وضمان أن غزة لن تشكل تهديدًا للاحتلال، وهو ما ليس موجودا بصورة واضحة في الخطة.