تحولت نبؤة رئيس حركة حماس الشهيد يحيى السنوار بعزل الاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بدولة فلسطين إلى واقع ملموس يشهد له الجميع خاصة بعد اعتراف قيادات الاحتلال الإسرائيلي وحلفاءه وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحالة العزلة التي يمر بها بالإضافة إلى اعتراف العديد من دول العالم بدولة فلسطين.
وفي فيديو سابق قال السنوار أنه يتوقع أن المقاومة الفلسطينية خلال عامٍ واحد قد تتمكن من فرض ضغط دولي على الاحتلال الإسرائيلي، إما للاحترام القانون الدولي وإيقاف الانتهاكات في الضفة الغربية، أو للوصول إلى اعتراف دولي بدولة فلسطين ووضعه في عزلة دولية.
عامان على الإبادة كانا كفيلان أن تأخد النبوءة، شكلًا واقعيًا بعد تصاعد الأحداث في "طوفان الأقصى"، حيث شهدت فلسطين والقدس تحولات ملموسة على المستويين الشعبي والدولي.
الوعي الشعبي يتصاعد والمظاهرات تتضاعف
وتجلى أثر هذه النبوءة في الشارع الفلسطيني والعالمي، حيث شهدت المدن العالمية والأوروبية مظاهرات حاشدة دعماً لغزة والفلسطينيين، ففي باريس ولندن وبرلين وإيطاليا وهولندا خرج عشرات الآلاف في مسيرات تضامنية، مؤكدين على رفضهم للانتهاكات الإسرائيلية ومطالبتهم بإنهاء الحصار على غزة.
وفي دول شرق آسيا كوريا الجنوبية واليابان واندونيسيا وماليزيا شهدت الساحات مظاهرات شبابية حاشدة حملت شعارات موحدة، تعكس توحد الرأي الشعبي حول القضية الفلسطينية، وارتفع الوعي العام بمأساة الفلسطينيين عبر حملات إعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي التي نقلت صورا مباشرة من الميدان، ما زاد الضغوط على الحكومات لاتخاذ مواقف رسمية داعمة.
الاعتراف الدولي بدولة فلسطين: قائمة الدول ومواقفها
وتزامنًا مع هذا الزخم الشعبي، أعلنت عدة دول عن اعترافها بدولة فلسطين، في خطوة اعتبرت استجابة جزئية لنبوءة السنوار، من بين هذه الدول: المملكة المتحدة، كندا، أستراليا، البرتغال، فرنسا، وسلوفينيا وإسبانيا.
وركزت هذه الدول في بياناتها الرسمية على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، مشيرة إلى أن الاعتراف يهدف إلى دعم جهود السلام واستقرار المنطقة، بعض هذه الاعترافات حملت بعدا رمزيا دبلوماسيا، فيما اعتبرت دول أخرى أن له تأثيرًا مباشرًا على المفاوضات السياسية المستقبلية بين إسرائيل وفلسطين.
حدود الاعتراف وتأثيره السياسي
على الرغم من أن الاعتراف يحمل وزنا رمزيا كبيرا، إلا أن فعاليته العملية على الأرض محدودة. التحديات تشمل:
السيطرة الإسرائيلية الفعلية على الضفة وغزة، مما يجعل أي اعتراف دولي في كثير من الأحيان شكليًا.
ارتباط بعض الاعترافات الدولية بشرط إصلاح داخلي فلسطيني ووحدة وطنية بين الفصائل، ما قد يقيّد التحرك السياسي الفعلي.
ردود الفعل الإسرائيلية وحلفائها، التي قد تشمل ضغوط دبلوماسية أو اقتصادية على الدول المعلنة لدعمها للفلسطينيين.
القرب من الاحتلال
وفي تصريحات صحفية أكد الإعلامي الباحث في الشؤون الأوروبية ورئيس نادي فلسطين في بلجيكا أحمد فراسيني، أن اعتراف الدول بدولة فلسطين اختلف باختلاف مواقفها ومدى قربها أو تبعيتها للاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف أن بعض الحكومات اعترفت استنادًا إلى قرارات دولية واضحة، وحددت حدًا مرجعيًا للحدود مثلاً حدود سنة 1967، بينما دول أخرى طرحت اعترافات مشروطة أو جزئية تعتمد مواقف سياسية أو أمنية مرتبطة بإسرائيل، والنتيجة أن هناك تناقضا واضحا في طبيعة هذه الاعترافات ومدى جديتها."
اعترافات مشروطة.. تناقض واضح
وأشار فراسيني إلى أن بعض الدول وضعت شروطًا للاعتراف: إصلاحات داخلية فلسطينية، فصل السلاح، ونزع خطاب التحريض من المناهج، وحتى إجراء انتخابات تستبعد فيها قوى لا تتوافق مع نهج السلطة، وهذا النهج يطرح تساؤلات حول مفهوم "الديمقراطية" الذي تطرحه تلك الدول، خاصة عندما تشترط معايير سياسية محددة تمليها من خارج السياق الفلسطيني".
وتابع الباحث في الشؤون الأوروبية ورئيس نادي فلسطين في بلجيكا أن هناك حالات غريبة ومتناقضة، مثل موقف بعض الدول الأوروبية التي أعلنت نيتها الاعتراف بشرط تغييرات جوهرية بالمنهاج ونزع السلاح؛ وفي المقابل تستمر دول أخرى في علاقات أمنية ومشاركة استخبارية مع الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك، الاعتراف الرسمي لا يواكبه دائما التزام عملي بحماية الشعب الفلسطيني أو بفرض عقوبات على جرائم الحرب المزعومة".
التزامات على الدول المعلنة
وأردف فراسيني أنه من الجانب العملي الاعترافات تلقي التزامات على الدول المعلنة؛ المفروض أن تعقبها خطوات ملموسة، كحماية المدنيين، ودعم إعادة الإعمار، ووقف التعاون العسكري الذي قد يسهِم في استمرار الأزمة، لكننا لم نر حتى الآن تحوّلًا جوهريًا في السلوك الدولي يوازي هذا الكم من الاعترافات، فالكثير من الدول ظلت صامتة أو مشاركة بطريقة لا تؤثر فعليًا على أداء الاحتلال".
الموقف الداخلي الفلسطيني
وقال فراسيني إن "حيث الموقف الفلسطيني الداخلي، فالمشكلة أن هذه الاعترافات في كثير من الأحيان تقوي السلطة الفلسطينية بوصفها الطرف المعترف به، فيما تهمل منظمة التحرير التي تمثل طيفًا أوسع من الفصائل.
وأضاف أن هذا يضع الفلسطينيين أمام معضلة: هل نعطي الأسبقية لهيئة تمثل طيفا محدودًا أم نعمل على إعادة بناء منظمة التحرير لتكون الإطار الجامع والشرعي؟ وجهة نظري أن العودة إلى منظمة التحرير المعاد هيكلتها تمثل مدخلًا للخروج من هذا الفراغ.
منظور عقابي.. الاعتراف بإسرائيل
وتابع الباحث في الشؤون الأوروبية ورئيس نادي فلسطين في بلجيكا ، أنه من منظور عقابي فعلي، فسحب الاعتراف بدولة إسرائيل من قبل دولٍ ما سيكون أكثر تأثيرًا وردعا من مجرد الاعتراف بفلسطين، والاعتراف الإضافي لا يغير كثيرا ما دام الطرف المعني (إسرائيل) يحافظ على علاقاته الدبلوماسية مع قوى دولية كبرى؛ أما حرمان إسرائيل من الاعتراف الدولي فسيكون إجراء ذي وزن حقيقي.
خطة ترامب ومسار الاعتراف
وقال فراسيني أن ما يتعلق بالمسار الأمريكي وخطة ترامب، هناك تناقض واضح؛ فبعض الدول التي رعت أو باركت هذه الخطة ثم اعترفت بفلسطين، وقفت عمليًا على حكمين متناقضين: من جهة تؤكد الشرعية الدولية لإعلان نيويورك ومن جهة أخرى تُبارك مبادرات خارج الإطار الدولي وتقود إلى وصاية دولية أو تدخلات أجنبية، وهذا المزيج يطرح سؤالاً حول الغاية الحقيقية من الاعترافات: هل هي ضغط على إسرائيل أم محاولة لتطويع القضية ضمن رؤية خارجية؟