ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير أن وسائل الإعلام الإسرائيلية استخدمت تعبيرًا ساخرا "حضانة بيبي" لوصف الزيارات المتكررة لمسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى القدس خلال الأسبوع الماضي، والتي جاءت بهدف الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضمان التزامه بوقف إطلاق النار في غزة.
وأشار إلى أن هذا الوصف الساخر يعكس تغيرًا ملموسًا في طبيعة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، ولا سيما بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فخلال الولاية الأولى لترامب، منح الأخير نتنياهو دعمًا سياسيًا واسعًا تمثل في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبسيادتها على مرتفعات الجولان، بينما أبدى في مستهل ولايته الحالية تساهلا مع سياسات نتنياهو، بل شجع لفترة قصيرة توجهات اليمين الإسرائيلي الداعية إلى إخلاء قطاع غزة وتحويله إلى ما يشبه "ريفييرا الشرق الأوسط".
وقدم ترامب قدم دعما واضحا لنتنياهو في آذار/مارس الماضي حين خرق الأخير وقف إطلاق النار مع حركة حماس، كما منحه دعما عسكريا غير مسبوق من خلال نشر قاذفات "بي-2" لاستهداف منشآت نووية إيرانية في حزيران/يونيو.
ونقل التقرير عن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، رؤوفين حزان، قوله إن "الإسرائيليين كانوا يرون في ترامب شخصًا يعمل لمصلحتهم، وكأنه ينفذ ما يمليه عليه بيبي حرفيًا"، لكن بحسب الصحيفة، لم يعد هذا الحال كما كان، إذ بدأ ترامب يُظهر استياءه المتزايد من نتنياهو.
وأشار إلى أن أحد أبرز مظاهر ذلك كان غضب ترامب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد غارة على إيران في حزيران/يونيو الماضي عقب وقف إطلاق النار، تلتها حادثة أخرى الشهر الماضي حين أجبر ترامب نتنياهو على الاعتذار لرئيس الوزراء القطري بعد غارة إسرائيلية فاشلة على مفاوضي حماس في قطر.
ونقل التقرير عن جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره، قوله في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" بتاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر إن "الرئيس شعر أن الإسرائيليين بدأوا يخرجون عن السيطرة، وأن الوقت قد حان ليكون أكثر حزما معهم ويمنعهم من ارتكاب أخطاء لا تصب في مصلحتهم على المدى الطويل".
وأشار كوشنر إلى أن ترامب كان مقتنعًا بأنه يتصرف بما يخدم مصالح إسرائيل، بينما لم يكن نتنياهو يفعل الشيء نفسه. وذكر التقرير أن ترامب ضغط على نتنياهو للموافقة على خطته للسلام في غزة، والتي تشمل الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة، رغم معارضة نتنياهو الشديدة لذلك، مضيفًا أن ترامب قال في مقابلة مع موقع "أكسيوس": "عليه أن يتقبل الأمر. ليس لديه خيار. معي، عليك أن تتقبل الأمر".
ورغم لهجته الحادة، أوضح أن إدارة ترامب لا تزال تقدم دعمًا قويا لإسرائيل، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي واصل تهديد حماس بإجراءات صارمة في حال عدم إعادة جثث الإسرائيليين المحتجزين، لكنه أوضح في منشور لاحق أن "دولًا أخرى" هي التي ستتولى تنفيذ تلك الإجراءات.
وبدأ الإسرائيليون يتساءلون عن مدى استمرار الولايات المتحدة في ممارسة هذا الضغط، خاصة مع ما وصفه حزان بعدم قدرة ترامب على "الاستمرار في مراقبة نتنياهو واستقبال الوفود".
وأشار التقرير إلى أن ترامب شدد سيطرته على نتنياهو ليس فقط في ملف غزة، بل أيضا في قضايا الحل السياسي، إذ قال منتصف تشرين الأول/أكتوبر للصحفيين إنه سيكون هو من "يقرر ما هو الحل الصحيح" بشأن قيام دولة فلسطينية.
وأضاف أن ترامب ناقش أيضًا احتمال إطلاق سراح القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي، المسجون منذ عام 2004، قائلًا إنه "سيتخذ قرارًا بهذا الشأن"، كما أكد رفضه القاطع لأي خطة لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، محذرًا من أن "إسرائيل ستفقد دعم الولايات المتحدة إذا أقدمت على ذلك".
وأشار إلى أن الجهود الأمريكية للحفاظ على الهدنة في غزة حدّت من قدرة نتنياهو على المناورة، إذ تراجعت إسرائيل عن قرارها بوقف دخول المساعدات الإنسانية بعد ساعات من إعلانه، ما نُسب إلى تدخل أمريكي مباشر.
كما كشف عن إنشاء مركز تنسيق مدني-عسكري في كريات غات يضم نحو 200 جندي أمريكي، يشرف على مراقبة وقف إطلاق النار وتسهيل تدفق المساعدات إلى غزة.
وذكر أن واشنطن بدأت بتسيير طائرات مسيّرة فوق القطاع لمراقبة الأوضاع بشكل مستقل عن إسرائيل، في مؤشر على توجه جديد يجعل للولايات المتحدة دورًا أكثر مباشرة في الإشراف على المشهد الميداني.
وأشار إلى أن هذه التطورات تمثل عبئا على نتنياهو، الذي كان قبل سنوات يضع صوره إلى جانب ترامب في حملاته الانتخابية تحت شعار "في مستوى آخر"، بينما يظهر اليوم كزعيم خاضع لتوجيهات واشنطن، بحسب تعبير حزان، "كحاكم ولاية لا كرئيس حكومة".
وأظهر استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية أن 48% من الإسرائيليين يعتقدون أن إسرائيل باتت "محمية أمريكية"، في حين عارض هذا الرأي 29%. وردّ نتنياهو على ذلك في جلسة حكومته بالقول مرتين: "إسرائيل دولة مستقلة"، في ما اعتبرته الصحيفة اعترافًا ضمنيًا بالتبعية السياسية المتزايدة.
وذكّر التقرير بمواجهات نتنياهو السابقة مع الرؤساء الأمريكيين، إذ تحدى جو بايدن في ملف شحنات الأسلحة، وهاجم باراك أوباما في الكونغرس بسبب الاتفاق النووي الإيراني، وأثار غضب بيل كلينتون لدرجة دفعته للتساؤل: "أي بلد هي القوة العظمى؟".
واختتمت "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن إسرائيل تتجه نحو عام انتخابي غير محدد الموعد بعد، وأن ترامب، الذي طالما أغدق الهدايا السياسية على نتنياهو في مواسم الانتخابات، أصبح اليوم أيضًا "تهديدًا محتملاً" له، إذ يمكن لمنشور واحد من ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي أن يغيّر مسار الانتخابات.
ونقلت الصحيفة عن نمرود نوفيك، مستشار رئيس الوزراء الأسبق شيمون بيريز، قوله إن نتنياهو يدرك تمامًا أن ترامب قادر على تقويض مستقبله السياسي، مضيفًا أن "مجرد إعلان ترامب أنه سيعمل مع أي رئيس وزراء إسرائيلي سيكون كافيًا لتغيير الموازين".
واختتم التقرير بالتساؤل: إذا استمر تراجع نتنياهو السياسي في ظل احتفاظ ترامب بشعبيته الواسعة بين الإسرائيليين، فهل يدرك نتنياهو أن السبيل إلى بقائه في السلطة قد يكون على نحو مفارق عبر تسهيل قيام دولة فلسطينية بدلًا من الاستمرار في منعها؟.
