أثار فوز الاشتراكي الديمقراطي زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك الأمريكية، ردودا واسعة، كونه سيتقلد منصب أول عمدة مسلم لأكبر مدينة بالولايات المتحدة في الأول من كانون الثاني/ يناير المقبل.
ولاقى فوز ممداني ردود فلسطينية مرحبة، مقابل هجوم إسرائيلي حاد، ودعت حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو يهود مدينة نيويورك للهجرة إلى إسرائيل، وادعى وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي أن "المدينة التي كانت رمزا للحرية العالمية، سلمت مفاتيحها إلى مؤيد لحماس"، معتبرا أن "هذه نقطة تحول حاسمة في تاريخ نيويورك".
وأمام الغضب الإسرائيلي، يتبادر إلى الأذهان تساؤلات عدة، منها:"لماذا فوز زهران ممداني مهم للفلسطينيين؟ وكيف يرى الفلسطينيون فوز ممداني؟ وماذا يتوقعون منه؟".
ويجيب الباحث المختص بالعلاقات الدولية علي أبو رزق على ذلك قائلا: "ممداني بنى جزء كبير من سرديته السياسية وبرنامجه الانتخابي على حرب غزة، وتوعد أكثر من مرة باعتقال نتنياهو حال دخوله نيويورك"، معتقدا أن "وجود شخص مثله على رأس أهم بلدية في الولايات المتحدة سيشكل منبرا إعلاميا وتوعويا مهما للتعريف بالقضية الفلسطينية، وكارثة غزة ما بعد الإبادة، حتى لو ذكرها مرة واحدة كل عشرة خطابات".
مصدر إلهام
ويضيف أبو رزق أنّ "فوز ممداني يعد مصدر إلهام للشباب الأمريكي الذي قالت واشنطن بوست إنه شهد تحوّلا كبيرا خلال الحرب، ونشرت دراسة أكثر أهمية تقول أن ستين بالمئة من الجيل الأمريكي الشاب بات يؤمن بسردية الحقوق الفلسطينية على حساب سردية إسرائيل".
ويؤكد أن فوز ممداني يعد أيضا مصدر إلهام للشباب العربي الذي يعيش في الولايات المتحدة والغرب عموما، للانخراط بشكل أكبر في العملية السياسية والانتخابية، والبحث عن مداخل جديدة لدعم القضية الفلسطينية والقضايا الحقوقية عموما.
ويشير إلى أن هذا الفوز يكسر حاجز نفسي مهم عند الساسة الأمريكيين، مبينا أنه "لم يعد الشرط الأساس للفوز هو تلقي التمويل من منظمة اللوبي اليهودي أو الأيباك، بل قد يكون دعم القضايا الحقوقية المدخل الرئيس للفوز، حتى أيباك نفسها قالت إنها ستدرس دعم المرشحين سرا وليس على العلن".
ويستدرك بقوله: "صحيح أن منصبه كعمدة لا يتصل من قريب أو بعيد بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولكن مثل هذا الفوز وفوز شباب آخرين يحملون نفس التوجه قد يجبر الساسة الأمريكيين على مراجعة توجهاتهم فيما يخص الشرق الأوسط عموما والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص".
وفي السياق، يرى الكاتب والمحلل الفلسطيني إبراهيم المدهون أنّ "فرحة الفلسطينيين بفوز ممداني، نابعة من موقفه الواضح والمؤيد للقضية الفلسطينية، ودعمه لشعب يواجه القتل، ووقوفه المبدئي مع العدالة الإنسانية"، مشددا في الوقت ذاته على أنه "لا ينبغي رفع سقف التوقعات".
ويتابع المدهون: "يكفينا الآن موقف الأخلاق من الإبادة التي تتعرض لها غزة وأن يذكرنا دائما ويذكّر العالم بمأساة غزة"، لافتا إلى أن "والده كان صديقا للفلسطيني الأمريكي المفكر إدوارد سعيد، وهذا يؤكد أنه تشبع معنى أن تكون فلسطينيا مظلوما في هذا العالم".
ويعتقد أن فوز ممداني يؤكد أنه يمكن أن يتغير الداخل الأمريكي، موضحا أنه يمكن أن يخرج جيل جديد لا يعترف بالوصفة القديمة التي تساوي الوطنية بالتماهي غير المشروط مع السياسات الإسرائيلية، وهذا الجيل قابل لأن يدعم حق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة.
ويؤكد أن "فوز ممداني في عمدة أكبر مدينة أمريكية، وفي قلب مركز اللوبي الصهيوني، يوجّه رسالة قوية: شعبنا مظلوم، وجريمة إبادة غزة لن تمرّ دون ثمن سياسي وأخلاقي. هذا الانتصار ليس نهاية الطريق، لكنه بداية لمرحلة جديدة يجب أن استثمارها بحكمة وواقعية".
فرصة للأمل
من جانبها، تقول الكاتبة الفلسطينية لمى خاطر في تغريدة عبر قناتها بمنصة "تيلغرام": "ليست القضية أننا ننتظر كثيرا من المواقف العملية تجاه قضية فلسطين من زهران ممداني أو غيره ممن فازوا في انتخابات أمس".
وتستدرك خاطر بقولها: "لكن من المهم ألا نتجاهل معنى وأهمية أن تتحقق مثل هذه المفاجأة في نيويورك تحديدا، وفي قلب أمريكا عموما، وأن تتكرس ظاهرة وجود أصوات رسمية وذات مواقع سلطوية مناهضة لإجرام الاحتلال ولغطرسة ترمب والجمهوريين".
وترى أن "كل ما يؤذي الكيان وداعميه في الغرب يشكل فرصة للأمل وإن كانت ضئيلة، ويشي بأن هناك تحولات جارية وقادمة، بعد الطوفان ثم الإبادة الوحشية في غزة".
