نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرا حديثا تناولت فيه كيف تحول "الفرع 300"، المعروف رسميا باسم "فرع مكافحة التجسس" التابع لإدارة المخابرات العامة في عهد نظام المخلوع بشار الأسد، من جهاز أمني إلى أداة محورية لملاحقة المعارضين وقمع أي نشاط سياسي أو حقوقي داخل سوريا وخارجها.
وسجل التقرير أرقاما وُصفت بالمروعة، تمثلت في 17,438 حالة اعتقال تعسفي و2,463 حالة قتل تحت التعذيب منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
واعتمدت هذه المعلومات إلى تحليل وثائق أمنية مسربة ومراسلات داخلية، إضافة إلى شهادات ناجين وذوي ضحايا، أوضحت حقيقة فرع أمني عمل في الخفاء داخل دمشق وشارك في تحويل مؤسسات الدولة إلى آلة قمع ممنهجة.
وتغير الفرع، الذي أنشئ أواخر سبعينيات القرن الماضي بهدف مراقبة الأجانب ومكافحة التجسس، كليا عن مهامه الأصلية بعد عام 2011، ليصبح معنيا بمراقبة النشاط السياسي والمجتمعي، وتحليل التحويلات المالية والاتصالات الدولية، ورصد اجتماعات معارضين سوريين حتى خارج البلاد، ولا سيما في دول مجاورة مثل لبنان.
وذكر التقرير أن المقر الرئيسي للفرع كان يقع في حي كفرسوسة الأمني في دمشق، بداخل بناية مغلقة لا تحتوي أي علامات تعريفية، وتتكون من زنازين فردية وجماعية وغرف تحقيق وتعذيب، إلى جانب مكاتب للضباط وأقسام للأرشفة والتنصت، لافتا إلى أن الفرع عمل بتنسيق مباشر مع فروع أمنية أخرى، ما جعله حلقة أساسية في منظومة القمع التي ترفع تقاريرها إلى أعلى هرم السلطة.
شملت الانتهاكات ممارسات واسعة من الاعتقال التعسفي دون أوامر قضائية، واستخدام التعذيب بشكل ممنهج لانتزاع اعترافات مرتبطة بـ"التعامل مع جهات أجنبية" أو "تلقي تمويل"، إلى جانب ابتزاز عائلات المحتجزين ماليا وحرمان المعتقلين من الرعاية الصحية، ما تسبب بوفاة عدد منهم داخل مراكز الاحتجاز.
وأبرز التقرير شهادات قاسية لضحايا وناجين، من بينهم أحمد الفاتح الذي أوقف عام 2011 ووجهت إليه تهمة التجسس، وليلى خالد التي اعتقلت عام 2012 وتعرضت لضغوط نفسية وجسدية شديدة، إضافة إلى كريم عبد الرحمن الذي أفرج عنه بعد أن دفعت عائلته مبالغ مالية كبيرة.
ووصفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان هذه الانتهاكات بأنها سياسة دولة ممنهجة وليست ممارسات فردية، محملة قادة إدارة المخابرات العامة المسؤولية المباشرة عنها، ومؤكدة أن هذه الأفعال ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بمرور الزمن.
وطالبت الشبكة بملاحقة المتورطين قضائيا، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتوفير الحماية للضحايا والشهود، وضمان حق العائلات في معرفة مصير أبنائها المفقودين.
واختتم التقرير بالتشديد على أن فضح جرائم "الفرع 300" لا يقتصر على توثيق الماضي، بل يهدف إلى تمهيد الطريق أمام العدالة وبناء مستقبل تُوظف فيه الأجهزة الأمنية لحماية المواطنين لا لقمعهم.
