كشفت وثائق نشرت حديثا تفاصيل جديدة تتعلق بالظروف التي كان يعيشها رجل الأعمال الأمريكي جيفري إبستين داخل محبسه خلال الأيام التي سبقت وفاته في آب/أغسطس 2019، في قضية لا تزال تثير جدلا واسعا داخل الولايات المتحدة، وسط اتهامات متكررة بالتعتيم الرسمي.
وتظهر الوثائق، التي أفرج عنها ضمن مجموعة ملفات حكومية، سلسلة مراسلات داخلية ورسائل بريد إلكتروني تشير إلى معاناة إبستين من مشكلات صحية وظروف احتجاز مثيرة للتساؤل، قبل العثور عليه ميتا داخل زنزانته في أحد سجون نيويورك، في حادثة صنفت رسميا على أنها انتحار.
إبستين يشتكي من الجفاف والحرمان
ومن بين أبرز الوثائق رسالة بريد إلكتروني تحمل عنوان “السجين إبستين”، يدعي مرسلها أن إبستين أبلغ إدارة السجن بأنه “يعاني من الجفاف” أثناء احتجازه.
وفي رسالة إلكترونية لاحقة، يعتقد أنها أرسلت في 10 آب/أغسطس 2019، وهو اليوم الذي توفي فيه إبستين، وجهت إلى مدير مركز الإصلاحيات في العاصمة واشنطن، يستعيد فيها المحامي المشرف على السجن والنزلاء محادثة مع اثنين من محامي إبستين، تمحورت “بشكل أساسي حول طلبه الحصول على الماء خلال اجتماع قانوني”.
طلب شفرة حلاقة وجهاز تنفس
وتشير وثيقة أخرى منسوبة إلى “السجين إبستين” إلى أنه طلب “شفرة حلاقة” في 30 تموز/يوليو 2019، وهو اليوم نفسه الذي أعيد فيه إلى وحدة الإيواء الخاصة، وهي منطقة معزولة عن بقية نزلاء السجن.
كما تفيد الرسالة بأن إبستين قال إنه “لم ينم جيدا لمدة 21 يوما” بسبب عدم توفر جهاز التنفس الخاص به، المستخدم لعلاج انقطاع النفس أثناء النوم. وفي اليوم ذاته، أصدر المدير بالإنابة في السجن مذكرة داخلية نبه فيها الموظفين إلى حاجة إبستين “لسلك كهربائي لتمكينه من توصيل جهاز التنفس”.
غير أن مراسلات لاحقة، مؤرخة في 6 آب/أغسطس 2019، بين محام قال إنه يمثل إبستين وإدارة السجن، أفادت بأن “جهاز التنفس الخاص بإبستين لم يكن موصولا بالكهرباء الليلة الماضية، وبالتالي لم يتمكن من استخدامه”.
وعقب ذلك، وجه المحامي المشرف على الموظفين تعليمات بالتحقيق في الواقعة، إضافة إلى التحقق مما إذا كان إبستين “يمتلك ورق مرحاض” داخل زنزانته، وفق ما ورد في السجلات.
فحوص طبية وفيديو مثير للجدل
وتظهر الوثائق أن أطباء السجن فحصوا إبستين عدة مرات خلال فترة احتجازه، وخلصوا إلى أنه كان يعاني من انقطاع النفس النومي. كما نشرت الحكومة لاحقا مقطع فيديو قيل إنه يظهر إبستين داخل زنزانته قبل وفاته.
غير أن تحقيقا أجرته وكالة “رويترز” كشف أن المقطع المذكور صمم عبر الكمبيوتر، وظهر للمرة الأولى على مواقع التواصل الاجتماعي عام 2020، ما زاد من الشكوك المحيطة بالمواد الرسمية المرتبطة بالقضية.
وفاة رسمية.. وشبهات لا تنتهي
وعثر على إبستين ميتا داخل زنزانته في سجن بنيويورك عام 2019، في حادثة اعتبرت رسميا انتحارا. وحتى اليوم، لا تزال غيسلين ماكسويل، شريكته السابقة، الشخص الوحيد الذي أدين على خلفية الجرائم المرتبطة بالقضية.
وكان إبستين قد أقام شبكة علاقات واسعة مع شخصيات سياسية واقتصادية نافذة، من بينها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويشتبه بأنه أدار شبكة اتجار جنسي استهدفت فتيات قاصرات، قبل العثور عليه ميتا.
صراع سياسي حول نشر الوثائق
وطوال أشهر، سعى ترامب، الذي لم يدان بأي جريمة على صلة مباشرة بالقضية، إلى منع نشر مجموعة كبيرة من الوثائق التي جمعت خلال سنوات من التحقيقات المرتبطة بإبستين، وفق ما تفيد به تقارير إعلامية أمريكية.
غير أن تمردا داخل صفوف الحزب الجمهوري دفع ترامب في نهاية المطاف إلى توقيع قانون يلزم الإدارة الأمريكية بنشر جميع الوثائق المتعلقة بالقضية. وعكست هذه الخطوة الاستثنائية حجم الضغوط السياسية والشعبية للتعامل مع ملف ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره محاطا بمحاولات تعتيم.
ونشرت الدفعة الأولى من الوثائق يوم الجمعة الماضي، وسط انتقادات حادة لوزارة العدل الأمريكية، التي اتهمت بالمماطلة في النشر، وبحذف أي إشارات تتعلق بترامب من بعض المواد، ما أعاد طرح تساؤلات حول مدى شفافية التعامل الرسمي مع واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي الحديث.
