هذا الرجل ذو الشعر المكتكت، والنظارة اللعينة, والقبعة السمراء، يجلس على مقهى مرتفع أمامه كوب من القهوة السوداء، يتابع في الجريدة ما تقوله المنظمات الحقوقية عن مجزرة الحرس الجمهوري الساعة الثالثة والنصف فجرا والتي قتل فيها مصريون. هيومن رايتس، رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية, وحقوق المرأة، وحقوق القطط، والغارديان البريطانية، والبي بي سي..... لفيف من المنظمات الحقوقية والصحفية تحقق، وتؤكد أن رواية الجيش خاطئة، وتطالب بتحقيق العدالة، ومحاكمة المتهمين ... قلَّبَ الرجل صفحات الجريدة، وأغلقها، ثم أشعل سيجارته وأخذ يسأل نفسه... ماذا بعد هذه التحقيقات والنتائج؟ هل ستطالب هذه المؤسسات الجيش-بصفته السلطة الحاكمة في مصر- بالتحقيق في المجزرة؟ وإن طالبت هل سيفعل الجيش؟ وإن فعل هل سَيُحَقِّقْ تحقيق حقيقي؟ وإن حقَّقْ هل سيكون هناك متهمون؟ وإن كان في أي فندق داخل أي سجن سيقيمون؟ وإن أقاموا كم سيمكثون؟.... إنها الدائرة المفرغة يا عزيزي، ترتكب مجزرة جديدة قبل انتهاء التحقيق في السابقة؟! هذه المؤسسات التي تكشف لنا جرائم وتحقق فيها.... سجن أبو غريب، سجن جوانتانامو، عشرات الآلاف في العراق... سوريا... أفغانستان... الصومال... نيجيريا... بورما.... حرب غزة 2008 و2012، كانت يومياً تقول "جرائم ترتكب بحق المدنيين" وماذا حصل للمدنيين؟! إما ماتوا أو تقطعت أطرافهم، ولا زالت قضاياهم معلقة في المحافل الدولية، تمارس طقوسها البروتوكولية حتى تُفْرِجْ عنها القوى المسيطرة.... أخر نَفَسٍ في السيجارة لهذا الرجل تذكر أن الاحتلال الإسرائيلي قام بتحقيق في مجزرة عائلة السموني وقد برَّأ الجندي منها..... وقالت المنظمات وقتها أنها رواية الجيش مشكوك في عَرْضْهَا "الله يخلف عليكم". أطفأ سيجارته هذا المثقف الذي يشبه المخرجين الفرنسيين وقال: مات من مات وقُتِلَ من قُتِل.. وماذا سيضير الشاة سَلْخِهَا بعد ذَبْحِهَا...
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.