خبر: انتزعوا فرحتهم من "آهات العذاب" وكتموا دموعهم!
14 أكتوبر 2011 . الساعة 10:48 ص بتوقيت القدس
آهاتٌ وآلامٌ تكتمها جدرانُ سجنٍ لا تعرفُ لنفسٍ إنسانيةٍ أيّ قيمة.. هي ديدنُنا في سجونٍ أنهكت نفوسَنا دون رحمة.. مقيتةٌ إلى درجةِ اللانهاية.. خلف الجدرانِ نحتفظُ في صدورِنا بآلامِ المرضِ الموجعة.. تضيقُ الصدورُ من قسوةِ الحياةِ في غرفٍ معتمةٍ أمامها سجانٌ غليظٌ شديدُ القسوةِ باع قلبَه قبل الدخول.. دموعُنا تتساقطُ في خِفيةٍ عزةً لنفوسٍ لم تجدْ أحداً في وقتٍ هي بحاجةٍ إلى الجميع. في غياهبِ السجون حرائر ورجالٌ في ريعان الشباب أُجبروا جميعهم على العيش هناك.. في عالمٍ لا يُرى فيه غير السواد، سماؤُه سوداء بلا قمرٍ أو نجوم.. معتمٌ ليلُه ونهارُه سواء.. أرضُه ساحةٌ ضيقة.. هواؤُه رائحةٌ كريهة.. في النهاية هو عالمٌ اختطف زهراتِ شبابِهم إلى الأبد. فرحة تاريخية لَمِحنة مثل تلك قد تتحوّل إلى منحةٍ، والسجن إلى أرض فرحٍ تاريخي كبير فور اقتحام جدران السجن وتخطي أسلاكه الشائكة "نبأٌ" حلّ عليهم كبَردٍ أثلج الصدور والقلوب.. لقد جاء "النبأ العظيم".. "نجاح المقاومة الفلسطينية في إرضاخ سجانيهم لشروطها وإتمام صفقة مشرّفة بالجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة جلعاد شاليط للإفراج عن مئات الأسرى والأسيرات من ذوي المحكوميات العالية من تلك السجون المقيتة". على إثره، ضجت صرخاتنا من كل أرجاء السجون بالتكبير والتهليل.. تعانقت أرواحنا قبل أن تتعانق أجسادنا وسط دموعٍ ساخنة كانت تسحّ دون إرادتنا، دموعٌ مختلطة بين الفرح والحنين.. فرحةٌ تاريخية ما بعدها فرحة.. شعرنا حينها بضعف السجان وهوان إرادته أمام إرادتنا.. ذلك السجان الغليظ الذي كانت عيونه تتطاير بالشرر.. لم يملك أمام فرحتنا إلا الخنوع كما خنعت "قيادته" لآسري شاليط.. اثنان من الأسرى في سجن النقب أحدهما منتمٍ لحركة حماس عرف عن نفسه باسم "أبو حسام" والآخر لحركة فتح وعرف عن نفسه باسم "ضياء"، نقلا أجواء الأسرى فور سماعهم نبأ إتمام الصفقة عبر "حبل سري"، حيث كان شعور الأسرى شعوراً مغايراً لمن يتنفس الحرية بين أهله مثلنا، فعالمهم عالم مختلف بكل تفاصيله، فيه خيام غير صالحة للحياة، وهواء فيه رائحة الموت وشتى الأمراض. وبدأ الأسيران بسرد تفاصيل فرحة الأسرى فور تلقيهم الخبر، وتركا لقلم "فلسطين" أن يرسم ملامحها للقارئ وكأنه يعيشها معهم.. ففي حالة من السكون وهم يتابعون نشرة الأخبار لمحوا خبراً عاجلاً أولياً ينبئ بأن هناك حديثاً عن إتمام الصفقة، فانقسموا بين مكبرين مبتهجين وآخرين لم يأمنوا بأن الصفقة قد تتم لما آلت إليه الأمور خلال 5 سنوات من مماطلة حكومة الاحتلال والتلاعب بمشاعرهم. ومع مضي الوقت قليلاً تأكد الخبر على كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ليكون كانفجار قنبلة من العيار الثقيل، ولتجلجل أصوات التكبير والتهليل في أرجاء السجون، ولنعلنها فرحةً عارمة ضد السجان وقهره وجبروته، ولنحول ساحة السجن الكئيبة إلى عرس وطني تاريخي كبيرٍ بدموع حارة بين الفرح والألم. قهرنا السجان لقد استطعنا أخيراً أن نقهر السجان وننتزع الفرحة من آهات السجن وجحيمه.. شعرنا أننا انتصرنا رغم أننا ما زلنا في قبورٍ ليس لها قرار.. المهم قد بدأت الاحتفالات.. مضت ساعات ونحن نكبر تكبيرات العيد ونتعانق ونسمع تعقيبات قادة المقاومة والمحتل، مستمتعين بخبر لم نسمع أروع منه من ذي قبل. استمر احتفالهم إلى ساعات الفجر الأولى، بحسب الأسيرين، فلم يغمض لهم جفن في تلك "اللحظات التاريخية المهيبة"، كما وصفوها، فقضينا الليل بالصلوات والدعوات بأن يفرج الله أسر من تبقى في السجون، ويوفق المقاومة الباسلة بأسر مزيد من الجنود لإجبار المحتل على الإذعان لمطالبهم وتحرير كافة الأسرى. أما عن انتماءات الأسرى، فقد شكلت لوحة فنية من الوحدة الوطنية التي نأت عن "عالم السياسة الحقيرة" التي قسمت الشعب الفلسطيني إلى دويلات في داخل وطن محتل.. كان العناق بلون واحد.. فرحتهم جميعاً على قلب رجل واحد.. فلم يبق مجال للانقسام هناك.. فجميعهم "أسرى لا فرق بين فتحاوي وحمساوي إلا بالتقوى". على أنغام الأناشيد والابتهالات يمضي الليل مسرعاً.. فالفرح أول مرة يزورنا ولابد أن نستغله خير استغلال، فحلول أحزاننا قد بات وشيكاً خاصة وأن إدارة السجون أعلنت عن استنفار حمقها وغيظها ضد المبتهجين لطمس فرحتهم، وإحالتها إلى "غمٍّ" كما باقي الأيام والسنين داخل جدران العزل الانفرادي الممتلئة بالحشرات والأمراض. كان كل واحد منا يتمنى أن يكون ضمن هذه الصفقة لكن لا بأس أن نسطر أروع الملاحم والتضامن مع الأسرى والأسيرات من ذوي المحكوميات العالية.. فالفرحة تأتي على قدر التضحية، وقد ضحوا بالكثير من سنوات أعمارهم لتتوج أخيراً بكسر القيد وإعلان فجرٍ جديد يتنسمون فيه الحرية. لا تقلقوا كثيراً فصمودنا سيعلن انتصاره مرة أخرى على جبروت السجان، فنحن على ثقة بمقاومتنا، ومن استطاع أن يفرج عن هذه الكوكبة من الأسرى بفضل الله تعالى، قادر على أن يفرج عن الباقين بأسر مزيد من الجنود، وتمريغ كبرياء المحتل في الوحل من جديد ليفرج عن باقي الأسرى ليتنسموا فجر الحرية بين أهليهم وذويهم.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.