يومياً كنت أُلاحظ وأنا ذاهبٌ لعملي رجلاً عجوزاً طاحناً وطاعناً في السن، يجلسُ على سريرٍ، على بابِ غرفةٍ، لا تعرفها هل هي من الشَّارع أم من أسْفَل العمارة؟!... تجاعيدُ وجههِ تُخْبِرُني أنه حَضَرَ احتلال الهُكْسُوسْ لمصر عام 1500 قبل الميلاد... يجلس على السرير فوق رأسه معلَّقة عشرات الأكياس السوداء فيها من كل قُطرٍ أغنية... خُبْزَة نَاشْفَة، مُفْتَاحْ انجليزي قديم، زجاجة زيت زيتون.... تودَّدْتُ إليه... اقْتَرَبْتُ منه... كنت أظن أنه أرشيف من التجربة والمعلومات... تَحَدَّثْتُ معه مرات عديدة، لقاءات قصيرة... كان دائم الحديث عن الماضي، دائم الحديث عن المستقبل.... قلت في نفسي: لم ألحظ في ماضيه شيء مميز، إلا خوف من كل شيئ.. كان يخاف من الموت, ويخاف من التهجير والترحيل إلى سيناء، ويخاف من شراء بيت، ويخاف من الأقمار الصناعية، ويخاف من تربية الدجاج ... –ليس مجنوناً- ولكنه يسمع ويقرأ في التاريخ ويعمل حساباً لكل شئ. أما حاضره فهو أمامي يبلغ من العمر عِتِيَّا، ومن الفقر مَلِيَّا... وأما مستقبله فهو لم يره ولن يره بعد... كان خائفاً من المستقبل، أو من تكرار أخطاء الماضي مع اختلاف كل معطيات الحاضر... فلا عاش الحاضر ولن يعيش المستقبل. خفت على حاضري ومستقبلي منه رفعت رأسي أعلى الأكياس المُعَلَّقة، وكتبت بقلمي العريض فوقها.... لماذا يعيش هذا العجوز هكذا؟ وأجبت تحتها: لأنه خائف من الماضي والمستقبل . _طيب وأنا مالي يا أبو يزن عن أبوه ما عاش لا ماضي ولا حاضر ولا مستقبل_
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.